العميد أحمد رحال
لا شك أن كافة المدعوين إلى موسكو وحتى صاحبة الضيافة روسيا, يعتبرون أن “حوار موسكو” قد يكون مخرجاً مريحاً لأزمات ومصاعب قد حلت بهم, وربما يجدون بهذا الحوار جسراً يعبرون من خلاله إلى الضفة الأخرى تاركين أعبائهم وأزماتهم خلف ظهورهم وباحثين عن بقعة ضوء ترشدهم للخروج من نفق المأساة السورية التي عانت من التهميش الدولي على مدى أربع سنوات عجاف.
المملكة العربية السعودية تدرك أن شبح الصدام مع إيران قادم لا محالة, وأن تراشق التصريحات الدبلوماسية المتبادلة, تارة برفع النبرة وتارة بالتهدئة, لن يستطيع أن يخفي حجم الاحتقان الدفين الناجم عن اختلاف الأجندات المتبعة, ما بين سياسة إيرانية تمضي بمشروع توسعي فارسي, وما بين سياسة سعودية تحمل على عاتقها مسؤولية أمن الخليج والعرب, وترتكز على قوة ثقلها السياسي والاقتصادي والمعنوي, لكن التهدئة التي تروج لها الولايات المتحدة الأمريكية مع إيران والمحاولات التي تبذلها لإخماد نيران هذا الصدام, طمعاً باتفاق نووي مع إيران يختتم به الرئيس الأمريكي (أوباما) ولايته الثانية, أوقعت حلفاء واشنطن بحيرة من أمرهم, فتلك السياسات الجديدة خالفت توجهات الإدارات الأمريكية السابقة التي اعتاد عليها العالم العربي وعلى مدى عقود من الزمن, وحصدت من خلالها (أمريكا) من معظم دول الخليج صفقات سياسية وعقود توريد سلاح وبعشرات المليارات من الدولارات وتحت عنوان (حماية دول الخليج والمنطقة من خطر التمدد الإيراني).
السعودية ولإمساك العصا من المنتصف حركت الدبلوماسية المصرية (الحليف الأكبر للسعودية عربياً) كخطوة تعيد مصر لمكانتها الطبيعية في العالم العربي, فدفعت إليها بالملف السوري مع إبقاء باب المشورة والمراقبة عن كثب ومهدت لتلك الخطوة بمصالحة قطرية- مصرية مع تهيئة أجواء خليجية داعمة للموقف المصري, ومستغلة الحياد الذي اتصفت به الدبلوماسية المصرية مع طرفي الأزمة في سوريا.
مصر وبدبلوماسيتها (المعتقة), تدرك أن الولوج في أتون هذا النفق هو سلاح ذو حدين, قد ينقلب عليها وبالاً إذا ما فشلت مساعيها, بسبب تعقيدات الحل وتنوع خيوطه وتجذره بأجندات قد تعجز قدراتها الذاتية عن إيجاد أية انفراجات تودي لحلول مرضية للطرفين, وبالتالي فهي مغامرة محفوفة المخاطر, وهذا ما دفع بسفير مصري في عاصمة أوروبية وبلقاء جمعه مع معارض سوري للقول: عودتنا للصف العربي وثقلنا السياسي لن يكون عبر مغامرة غير مضمونة النتائج, ويمكن لنا فقط أن نكون عنصراً مساعداً لجهود (دي مستورا) أو ما تطرحه موسكو.
بدورها, فصائل الثورة السورية لا تعول كثيراً على القيادة السياسية في استانبول, أما بالنسبة لمعارضة الداخل فالحراك المسلح لا يفرق بين كثيراً منهم وبين النظام فكلاهما في خندق واحد.
الائتلاف الوطني وعلى لسان معظم أعضاءه الفاعلين أعلنوا رفضهم حضور “حوار موسكو” لقناعتهم بعدم جدواه وعدم احتراقهم بأجندات معارضات الداخل, والأهم هو قناعتهم, وحسب الطريقة التي أُتبعت في توجيه الدعوات, أن هذا الحوار هو وسيلة لسحب الشرعية الحصرية للائتلاف بتمثيل الثورة السورية, ولكن تبقى لديهم تخوفات من اعتماد ما يصدر عن “حوار موسكو ” كمرجعية تهمشهم في حال عدم الحضور وترمي بهم خارج اللعبة, وهذا ما قاله وزير الخارجية الروسية (لافروف) من أن عدم مشاركة البعض قد تقصيهم عن أن يكونوا فاعلين في الحل السوري المرتقب, ولكن ما يبعث الطمأنينة في نفوسهم ويبعد مخاوفهم هو رفض معظم الشخصيات لدعوات موسكو (هيئة التنسيق تركت الحرية لأعضائها بالذهاب إلى موسكو أو الرفض), باستثناء بعض مؤيدي النظام المدثري أنفسهم بعباءة المعارضة والتي تعتبر مشاركتهم أمراً يتلقونه من (جميل حسن أو علي مملوك) فرسان مخابرات (الأسد).
ما الحل؟؟
من الواضح أن الخيارات صعبة, ولكن من منطلق قلب الوقائع واستغلال الظرف, فيمكن للائتلاف من التقدم بخطوة للأمام قد تكون تأخرت كثيراً, خطوة تقلب الطاولة على رأس كل أتباع الحلول الاستسلامية (داخل وخارج الائتلاف) وتعيد عربة الائتلاف لمسارها الصحيح عبر الدعوة لمؤتمر “سياسي- عسكري- ثوري”, مؤتمر لا يقصي ولا يهمش أحد من كافة المعارضات وبتنسيق مع ما خرج عن حوار القاهرة, ويتم من خلال مداولاته الخروج بمحددات وثوابت الثورة السورية ومطالب الحاضنة الشعبية, وتجعل من مقررات هذا المؤتمر برنامج عمل مستقبلي لكل من يدخل ضمن ملاك المعارضة السورية, يعقب ذلك, وبهدف الخروج من مأزق المحاصصات والتجاذبات التي تعصف بالائتلاف, تشكيل لجنة توافقية من داخل الائتلاف لتدارس المبادرات الإصلاحية التي تقدم بها بعض أعضاء الائتلاف (مبادرة ميشيل كيلو, مبادرة د.برهان غليون, …) من أجل إعادة ترتيب أوراق البيت الداخلي للائتلاف والخروج بصيغة مرضية لكافة الأطراف تتبنى مقررات المؤتمر الذي تم عقده, وتعيد قطار تحركاتهم السياسية لمساره الصحيح الذي يلبي مطالب الثوار, وبنفس الوقت تضع بين أيديهم عنصر قوة يستند لثقل الحاضنة الشعبية وحراكها المسلح, يواجهون به جميع مدَعي المعارضة الدمشقية وكذلك الأجندات اللاوطنية التي تفرض عليهم من الخارج.
العميد الركن أحمد رحال