عندما قرر ريمو فؤاد، صانع الحلوى البالغ من العمر 50 عامًا، الفرار من حلب قبل ثلاث سنوات، رحل ولم يكن معه سوى مجموعة من وصفات إعداد الطعام التي ورثها عن عائلته. في البداية حاول فتح متجر للحلويات في مصر، ثمّ في لبنان، وأنفق المال الذي ادخره في حساب مصرفي لبناني. ولكن المحاولتين فشلتا. وقال فؤاد: “في مصر، كان الزبائن لا يملكون المال. وفي لبنان، كانت معاملتهم لنا كسوريين سيئة للغاية.”
قبل عامين، استأجر فؤاد متجرًا صغيرًا في حي “آكسراي” في اسطنبول. والآن لديه مصنع حلوى مكون من أربعة طوابق ويعمل به 40 عاملًا ولديه متجران ويستعد لافتتاح الثالث.
وقال فؤاد: “أدفع الضرائب، وأدفع أجور العمّال أيضًا، واتبع القانون. سأبقى هنا حتى يتم إصلاح سوريا. وربما بعد ذلك.”
قصة فؤاد ليست فريدة من نوعها، حيث اغتنمت أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين سهولة افتتاح أعمال ومتاجر في تركيا، مما أفادهم وأفاد الاقتصاد التركي أيضًا.
منذ عام 2011 تمّ إنشاء 4 آلاف شركة ومتجر ومصنع لمهاجرين من سوريا أو لسوريين بمشاركة أتراك، كما أنَّ معدل إنشاء هذه الشركات آخذ في التسارع.
وفقًا لمؤسسة أبحاث السياسات الاقتصادية، وهي مؤسسة بحثية تعنى بالاقتصاد والأعمال في أنقرة، فإنَّ نحو 1600 شركة ومتجر أنُشِئت في عام 2015، مع إنشاء 590 شركة في الأشهر الثلاثة الأولى فقط من العام الحالي. ويقارن جوفين ساك، رئيس المؤسسة، تدفق 2.7 مليون لاجي سوري على مدى نصف العقد الماضي بهجرة العمّال الريفيين إلى المدن؛ وهي المرحلة الكلاسيكية للتنمية التي غالبًا ما ترتبط بزيادة دخل الدول.
وقال ساك: “هناك الآن أدلة كافية تثبت أنّهم يفعلون شيئًا إيجابيًا ويساهمون في نمو الاقتصاد التركي. إنهم ليسوا مجرد مجموعة من الناس في الشوارع، هناك الكثير من الناس جاءوا ومعهم بعض الأموال، وأوجدوا سُبل لاستثمارها.”وخلص تقرير هذا الأسبوع من ستاندرد آند بورز إلى أنَّ القادمين الجدد إلى تركيا، الذين يشكّلون الآن ما يقرب من 4 بالمئة من تعداد السكّان، دعموا نمو اقتصاد البلاد. إنه أمر مشجع ومحل ترحيب خاص، في ظل بطء نمو الشركات وحركة المستهلكين الذين كانوا يدعمون الاقتصاد التركي في السابق.
فرانك جيل، كاتب التقرير، يصوّر الهجرة بأنها “صدمة إيجابية” تزيد من جاذبية تركيا للمستثمرين كدولة تضم سكّان شباب ناشطين اقتصاديًا.
وفي إشارة إلى مدى أهمية تدفق السوريين لاقتصاد البلاد، تقوم شركة كهرباء ” BOĞAZİÇİ”، واحدة من شركات الكهرباء الرئيسية في اسطنبول، بتدريب الناطقين باللغة العربية في مراكز الاتصال للتعامل مع العملاء الجدد.
في الربع الأول من هذا العام، قدّم السوريون 126 طلبًا للالتحاق بوظائف الاتصالات بالشركة. وقال أوكتاي هاناي، مدير العمليات بالشركة: “بالنسبة لي، فهذا يدل على أنهم يندمجون في مجتمعنا. لقد جاءوا إلى هنا وينون البقاء هنا.”
هناك تساؤلات كبيرة عما إذا كان بإمكان الاقتصاد التركي، الذي نما بنسبة 5.7 بالمئة في الربع الأخير من عام 2015، أن يتعامل مع التغيّر السكاني الكبير. العديد من المهاجرين السوريين لا يتحدثون التركية، ونسبة البطالة في البلاد تصل إلى 11 بالمئة، ويشكو بعض العاملين الأتراك من المنافسة التي يتعرضون لها من القادمين الجدد، ولا سيما في الاقتصاد غير الرسمي الكبير للبلاد.معظم المهاجرين السوريين يعيشون خارج المخيمات، وبعضهم يعيش في فقر مدقع مع المتسولين في شوارع كل مدينة تركية تقريبًا. ولكن العديد منهم من الطبقة المتوسطة، لديهم بعض المدخرات أو القدرة على الاقتراض.
هرب محمد نزار البيطار، الذي كان يدير مصانع السيراميك في سوريا، إلى تركيا في عام 2013 بعد أن حذّره صديق أنه كان على وشك أن يتم القبض عليه بتهمة القيام بأنشطة معادية للحكومة. لقد أنفق نحو 30 ألف دولار من مدخراته لتهريب عائلته خارج سوريا، ومن ثمّ استغل آخر 1000 دولار معه لفتح خدمة توصيل الطعام العربي من داخل قبو. والآن، أصبح يمتلك شركة لها سبعة مواقع، تضم 330 موظفًا، كما استثمر 2 مليون دولار في معدات المطاعم وشراء العقارات التجارية.وقال البيطار: “هنا في تركيا، كان من السهل بدء مشاريع تجارية صغيرة؛ ففي غضون ثلاثة أيام، حصلت على جميع الأوراق المطلوبة.”
ويرى العديد من الاقتصاديين أنَّ تركيا ستحتاج إلى الاستفادة من هذه الديناميكية في ريادة الأعمال، وإلّا سيكون تأثير السوريين على الاقتصاد التركي قصير المدى.
مع قلة تصاريح العمل المتاحة، والفرصة الضئيلة للحصول على الجنسية التركية، يمكن للاجئين الأكثر ثراءً الذهاب إلى أي مكان آخر. وفي النهاية يقول البيطار: “في حال ساءت الأمور، وأصبحت الحكومة أكثر صرامة في تعاملها مع اللاجئين، ربما حينها اضطر إلى الرحيل. لقد بدأت حياتي من جديد مرتين، وأستطيع أن أفعل ذلك مرة أخرى.”
إيوان24