قالت صحيفة “فايننشال تايمز” إن شكاوى رامي مخلوف ضد ابن خالته الرئيس بشار الأسد تكشف عن وجود توترات داخل السلطة.
وفي تقرير بعنوان “ملياردير ضد الرئيس، خلاف عائلة الأسد يسيطر على سوريا”. قالت تشولي كورنيش إن السوريين أثناء رمضان يعيشون على المسلسلات الرمضانية المتهورة، ولكنهم يعيشون في هذا الشهر المقدس ملحمة عائلية حقيقية لا تشبه غيرها من المسلسلات، وهو خلاف غير مسبوق داخل العائلة الحاكمة التي تحيط نفسها بجدار من السرية، حيث وضعت مليارديرا ضد ابن خالته، الرئيس.
وبعد تسعة أعوام في الظل أو تحت الرادار، قام مخلوف الذي يدير مملكة تجارية بتصوير نفسه الأسبوع الماضي وهو يشتكي بطريقة غير متوقعة.
وقال إن السلطات السورية تقوم بنهب تجارته، فيما يقوم الأمن الخاص باستهداف العاملين في مؤسساته. وتساءل: “هل توقع أحد قيام الشرطة السرية بملاحقة شركات رامي مخلوف الذي كان من أكبر الداعمين لها؟”.
وقال في شريط فيديو ثانٍ بثه على صفحته في فيسبوك: “طُلب مني التنحي” في محاولة منه لمناشدة قريبه الأسد أن يكون منصفا معه. وتقول الصحيفة إن مخلوف كان يعتقد أنه محصن ولا أحد يستطيع لمسه نظرا لعلاقته القريبة من عائلة الأسد، إلا أن مناشداته للرئيس تؤشر إلى تغييرات في بنية السلطة داخل العائلة الحاكمة التي تنتمي إلى الطائفة العلوية وتسيطر على سوريا منذ سيطرة حافظ الأسد على السلطة عام 1970.
ومع أن رفعت الأسد حاول الانقلاب على شقيقه حافظ عام 1984، إلا أن عائلة الأسد “لن تنشر غسيلها القذر من قبل” كما تقول لينا الخطيب، مسؤولة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس بلندن. وتقول إن استخدام فيسبوك يعني أن “الخطوط المباشرة مع الأسد قد انقطعت بشكل كامل”.
وتأتي المداهمات على إمبراطورية مخلوف المالية التي تعتبر فيها “سيرياتل” جوهرة التاج، في وقت يحاول فيه الأسد تقوية سيطرته على البلاد التي دمرتها الحرب.
وفي الوقت الذي ساعده التدخل الروسي والإيراني على استعادة 70% من الأراضي التي خرجت من يده منذ بداية الحرب الأهلية، إلا أن الجهاديين لا يزالون يسيطرون على جيوب في شمال- غرب البلاد، فيما يعاني الجنوب الذي استعادته الحكومة من انعدام الأمن. وتعاني نسبة 80% من السوريين من الفقر.
ولا يمثل رامي مخلوف أي تحد حقيقي للأسد، إلا أنه كشف عن “توتر داخل الدائرة الأولى في وقت باتت فيه الكعكة تصغر والتنافس والإتهامات المتبادلة حادة” كما يقول إميل هوكاييم، المحلل في شؤون الشرق الاوسط بالمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية.
وأضاف: “مخلوف ليس مستشارا (لزعيم العصابة) أو جنرالا، بل يجلس درجة تحت بشار”. وهو متهم بمراكمة الثروة بطرق الفساد، ولهذا فرضت عليه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي العقوبات؛ لأنه استخدم ماله لتمويل الجهود الحربية للنظام.
ووصف مخلوف نفسه بـ”الداعم الأكبر” للقوى الأمنية. ولكن هناك إشارات بدأت تظهر العام الماضي أن قطب المال لم يعد مقربا للأسد أو دائرته المقربة. ففي كانون الأول/ ديسمبر، جمدت وزارة المالية أرصدته وتلك المسجلة في لبنان، فيما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركة نفط مسجلة في الخارج، لأنه لم يدفع الجمارك.
ونفى مخلوف لاحقا أن تكون له علاقة بالشركة. وفي نيسان/ أبريل، هاجمت السلطات المصرية سفينة شحن كانت محملة بالمخدرات التي تم حشوها في صناديق لتوزيع الحليب، وهي تتبع لشركة يملكها مخلوف.
ونفى مخلوف أن تكون له علاقة بالحادث عندما تحدث في الفيديو. إلا أن ما دفعه للخروج والحديث هو ما حدث الشهر الماضي، فقد قررت وزارة الاتصالات إعادة النظر بالرسوم التي تدفعها “سيرياتل” والمنافسة لها “أم تي أن” حيث طلبت الوزارة منهما دفع 180 مليون دولار كرسوم للرخصة التي تم إعادة تقييمها.
ودافعت الوزارة عن قرارها عندما قال مخلوف إن الأمر لم يكن له مبرر. وقال رجل أعمال: “لم تكن هزة م ب س التي جعلت أصحاب المليارات يتذللون لدفع الضريبة” حيث وصف إهانة مخلوف، في إشارة إلى حملة الاعتقالات التي قام بها محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي ضد رجال أعمال وأمراء واعتقالهم في فندق ريتز كارلتون بالرياض.
ونظرا للسرية التي تحيط بالقصر الرئاسي وسياسته، فلا أحد يمكنه فهم السبب الذي جعل مخلوف يخرج للعلن، إلا أن الدولة تعاني من نقص المال وتراجع في قيمة العملة المحلية، فيما يشتكي رجال الأعمال من ملاحقة مصلحة الضريبة لهم ومطالبتهم بدفع ضرائب تخلفوا عنها ورسوم أخرى.
كما أن الداعم الرئيسي للأسد، روسيا تورطت في حرب طويلة في سوريا التي تعاني كما يقول دبلوماسي روسي سابق من “استشراء الفساد”.
ولكن جذور الخلاف قد تكون أعمق، حيث قال شخصان يعرفان ما يجري داخل الدائرة المغلقة، وتحدثا عن خلافات عميقة بين مخلوف وأسماء الأسد، السيدة الأولى في سوريا.
وتترأس الأسد أكبر منظمتين للمساعدة في سوريا، حيث يتم تمرير الملايين. ورغم كراهية قطاعات واسعة لمخلوف بسبب اتهامات الفساد ودعمه للنظام، إلا انه يحظى بدعم داخل الطائفة العلوية.
وأكد مخلوف على نشاط جمعيته الخيرية في منطقة الساحل التي تعيش فيها الطائفة. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على الجمعية “البستان” عام 2017، لعلاقتها مع ميليشيا مؤيدة للنظام.
وتقول الخطيب إن مخلوف استخدم سلاح الفيديو لتصوير نفسه كحارس للطائفة العلوية ومصالحها، فيما حذر عدد من المعلقين أن أي تحرك ضد مخلوف قد يخلق مشاكل داخل الطائفة.
وكتب النائب السابق في البرلمان شريف شحادة: “لا تعرّضوا (منطقة الساحل) للنار والحروب والدمار” متهما قوى الأمن بأنها تستهدف العاملين في “سيرياتل” بدون أن يكشف عن هوية الجهة الأمنية. وقال مخلوف مناشدا الأسد: “هؤلاء هم رجالك وموالون لك”. ولكن الأسد لم يرد، وطلب في خطاب ألقاه يوم الإثنين بالحد من زيادة الأسعار والفساد، ولم يذكر ابن خاله.
نقلا عن القدس العربي