ذكرت مجلة Al Majalla Magazine “المجلة”، مقتطفات من مذكرات نائب الرئيس السوري السابق فاروق الشرع، في جزئها الثاني من الذي صدر مؤخرًا، عن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”، ويتحدّث فيه فاروق الشرع عن عهد المخلوع بشار الأسد الذي خدم فيه الشرع وزيرًا للخارجية من 2000 ولغاية عام 2005، ثم نائبًا للرئيس حتى عام 2014 حيث أقصي من المشهد السوري بسبب رفضه الضمني للحل الأمني الذي انتهجه النظام الأسدي في مواجهة ثورة الشعب السوري عام 2011.
“إن ما جرى في سوريا فاق فعليًّا ما خلفته جحافل هولاكو من قتل ودمار في بلاد الشام… وكان هولاكو أكثر رحمة من هذا العصر الحديث”. بهذه العبارة، يصف نائب الرئيس السوري السابق فاروق الشرع عهد بشار الأسد، في الجزء الثاني من مذكراته التي صدرت مؤخرًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
وبحسب “المجلة” لم يكن مقررًا لهذه المذكرات أن ترى النور لكونه مقيمًا في دمشق، ولم يغادرها، إلا أن تسارع الأحداث في سوريا وسقوط النظام في 8 كانون الأول (ديسمبر) جعل صاحبها يوافق على نشرها، وقد انتهى من كتابتها في عام 2019. تأتي هذه المذكرات بعد عشر سنوات على صدور جزئها الأول بعنوان “الرواية المفقودة”، والتي انتهى الشرع من كتابتها في عام 2010، قبل أشهر من اندلاع الثورة السورية. وبينما كان الجزء الأول من مذكراته مخصصًا لمرحلة الطفولة والشباب وسنوات عمله الطويلة مع حافظ الأسد، يُكمل الجزء الثاني ما تبقى من “الرواية المفقودة”، عن عهد المخلوع بشار الأسد الذي خدم فيه فاروق الشرع وزيرًا للخارجية و نائبًا لرئيس الجمهورية ، وهي أول مذكرات لمسؤول سوري تصدر منذ سقوط النظام البائد.
يبدأ الشرع مذكراته بالحديث عن بشار منذ عودته من بريطانيا بعد وفاة أخيه باسل في 21 كانون الثاني (يناير) 1994، حيث بدأت عملية التحضير لوراثة أبيه وتكليفه بمهمات سياسية محددة، وتحديدًا في لبنان، مع تدرجه في الجيش حتى وصل رتبة “عقيد”. يقول إن تعطش بشار للسلطة ظهر عليه باكرًا: “كان يقيس درجة الولاء له بمدى قبول الضباط الأعلى رتبة عسكرية منه السير إلى جانبه أو خلفه، وليس أمامه بأي حال من الأحوال حتى لو كان جنرالًا. يقول الشرع: “اشتكى إليّ مرة اللواء إبراهيم صافي، قائد إحدى أبرز الفرق العسكرية، بأن بشار كان يتخطاه ويمشي أمامه حين يزور لبنان”. وعندما توفي حافظ الأسد في 10 حزيران (يونيو) 2000، جرت ترقيته من “عقيد” إلى رتبة “فريق”، متجاوزًا رتب العميد واللواء والعماد.
في أعقاب المؤتمر القطري التاسع لحزب “البعث” الحاكم سنة 2000، طلب إليه الأمين القطري المساعد عبد الله الأحمر أن يلقي كلمة تكون بمنزلة البيعة لبشار. ولكن الشرع رفض ذلك، وعلق في مذكراته: “ارتجلت كلمة تحدثت فيها عن مناقب الرئيس الراحل لأنني لم أجد ما يسوغ الإشادة ببشار، فلا سجل له يعد مثل سجل والده في الحزب، أو في الدولة أو الجيش”. ويبدو أن بشار انتبه لهذا التفصيل ولم يغفره، فقد سيطرت عليه نقمة عارمة على الشرع استمرت حتى آخر يوم له في الحكم، وكانت تظهر في كل مفصل وكل حدث، صغيرًا كان أم كبيرًا.
يقول الشرع إن السبب الرئيس وراء كل ذلك أنه كان يعارضه الرأي في كثير من الأمور، ولعل أولها قرار الأسد إيقاف المنتديات الفكرية والثقافية التي ازدهرت في بداية عهده، وعرفت بـ “ربيع دمشق”. تناولت هذه المنتديات أمورًا جريئة وحساسة، فقرر الأسد إغلاقها واعتقال القائمين عليها، ومنهم طبعًا نائب دمشق الصناعي المعروف رياض سيف.
ويتابع الشرع مذكراته بأحداث عدة، بينها التمديد للرئيس اللبناني الأسبق إيميل لحود، واغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري الذي كان من أشد المعارضين للتمديد للحود الذي كان بشار يصر على التمديد له، مرورًا بحادثة الانتحار المزعوم لوزير الداخلية الأسبق غازي كنعان، واللقاء الوعود مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، وصولًا إلى الثورة السورية.
يقول فاروق الشرع في مذكراته : “كان الرئيس الغارق في حب الذات لا يستطيع سماع سوى كلمات المديح، وكانت لديه بعض الميول السيكوباتية، وهي حالة نفسية يفتقد أصحابها كليًّا للمشاعر ، فلا خوف من العواقب ، ولا شعور بالندم تجاه الخطأ، ولا تفاعل مع آلام الناس أو حتى هموم المحيطين به. قد تبدو هذه الصفات، أول وهلة، صلابة أو جسارة، لكنها جسارة تفتقد بشدة للحكمة”.