مع أخر وجبة إفطار لهم في شهر رمضان، يتبادل السوريون في سوريا والنازحون في الشمال خصوصا، تهاني العيد ومباركاته بأمنيات على رأسها أن يكونوا في العيد القادم في بيوتهم آمنين.
وهم يعرفون أكثر من غيرهم، أن عودتهم إلى منازلهم التي هجروا منها، هي الحل الوحيد لكل مشاكلهم ومعاناتهم، إذ أن مجرد العودة إليها، ولو كانت ركاما، ستزيل عن كاهلهم أعباء النزوح الكثيرة والمرة، ومن المحتم لديهم أنهم قادرون على بناء ما تهدم، وترميم ما عبثت به قوات النظام، وهم في قمة الرضى والسعادة، فلا بديل للبيت في جمع شتات أنفسهم.
تسع سنوات مر فيها العيد ضنكا ووجعا عليهم، كان النظام السوري بطل أوجاعهم، وإن شاركته بعض الجهات الأخرى في رسم الألم على وجوه الناس، لكن هذا العيد التاسع، بما حمله من اكتظاظ النزوح، وقطع أرزاق الناس، وتحويلهم إلى معوزين وفقراء هو الأقسى على الإطلاق.
تقترب قوات النظام بحماية الطائرات الروسية من عمق محافظة إدلب، فيهرب الناس ويتوهون على وجوههم، يدخل الجنود الحاقدين بلدات من ثاروا ناهبين، فيكتفي أصحابها بأخذ القليل الممكن لهم حمله مكتفيين بالبقاء على قيد الحياة.
تنهار الليرة السورية، فتتحول المبالغ البسيطة التي في جيوب النازحين إلى هباء لا يساوي شيئا، يتزاحم النازحون على البيوت والخيام، فيشغلون المباني التي قيد البناء، والكهوف، والخيام تحت الشجر، وكل ما يمكن أن يقيهم الحر أو البرد، في شتات هو الأول لهم، ما بين مدن الشمال في إدلب وحلب، لتتحول المسافات إلى تكاليف باهظة تثقل كاهلهم لو حاولوا زيارة بعضهم.
لا حلويات ستعد في هذا العيد، فلا أفران منزلية لدى النازحين، ولا كعك عيد، ففوضى الضياع لن تسمح للنساء بترتيب أماكنهن، فضلا عن توفير المبالغ الزهيدة من ثمن الحلويات لحاجات لها أولوية أكبر.
ولا ثياب جديدة للأطفال، فلا فرح ولو مزيف في النزوح، سيكتفي الأطفال بحرص أهاليهم على مداراة دموعهم، وقد تسعفهم شبكات الإنترنت بإجراء اتصال مع بعض الأقارب في أماكن بعيدة.
بألم غير معتاد منه يقول أبو علي ذو الستين عاما: “ثقيل هذا العيد، لا فرح بدون البيت والأهل والجيران، لا فرح للنازحين، ولا عيد بدون العودة إلى سراقب”.
فيما يستبق بعض الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، محذرين أصدقائهم من نشر ما يوحي بالحزن كقول المتنبي “بأي عيد عدت ياعيد”، ليسارع المحذر من نشر البيت قبل الجميع، في سخرية موجعة من استحالة الهروب من مشاعر الأسى عندهم.
تحاول الأسواق بحمى دافع الربح لعرض سلع العيد، لكن انزواء الأهالي وتجنبهم الشراء، يعيد الحقيقة للباعة في كساد بضائعهم، فينشر أب على صفحته: “نتسكع بالأسواق قبيل الأفطار، تنشف حلوقنا من هول الأسعار، ثم نعود بلا شيء للبيوت فرحين”.
جريدة زيتون