بدت روسيا، أمس الأربعاء، كمن يحاول احتواء الضغوط المتزايدة عليها حيال الملف السوري، لا سيما بعد استخدامها حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار الفرنسي الذي قدم إلى مجلس الأمن قبل أيام للمطالبة بوقف إطلاق النار في حلب وفرض حظر للطيران في المدينة وإيصال المساعدة الإنسانية إلى السكان المحاصرين. واتخذت “خطة الاحتواء” الروسية مسارين أساسيين: أولهما تكثيف المشاورات السياسية ومحاولة إعادة الملف السوري إلى طاولة المباحثات متعددة الأطراف، وثانيهما تصوير موسكو نفسها أنها ضحية “محاولة استدراج” من باريس لإظهار عدم تعاونها. لكنها في موازاة ذلك، لم تتراجع ولو خطوة واحدة إلى الوراء في ما يتعلق بمواصلة دعمها العسكري اللامحدود للنظام السوري، إن من خلال تسريب معلومات حول نيتها إرسال المزيد من التعزيزات العسكرية إلى سورية أو من خلال استمرارها في قصف الأحياء التي يتواجد فيها المدنيون، خصوصاً في مدينة حلب.
اجتماع لوزان السوري
وتولت وزارة الخارجية الروسية الإعلان، في بيان أمس الأربعاء، أن وزير الخارجية سيرغي لافروف ونظيره الأميركي جون كيري سيحضران اجتماعاً في لوزان السويسرية، بعد غد السبت، لبحث الملف السوري بحضور “وزراء خارجية من عدة دول أساسية في المنطقة لدراسة إمكانية اتخاذ إجراءات تتيح تسوية النزاع السوري”، قبل أن تعلن وزارة الخارجية الأميركية، أمس أيضاً، عن عقد اجتماع دولي ثان الأحد في لندن، لـ”بحث النزاع الدامي في سورية”.
وعلى ضوء الضغوط الدولية على روسيا، بدا وكأن الروس يحاولون توسيع دائرة اللقاءات لتفادي الاجتماع وحدهم مع الأميركيين، بدليل كلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس، عن أنه “من الصعب إجراء حوار مع الإدارة الأميركية”. بدوره، أكد مصدر في وزارة الخارجية الأميركية اللقاء لوكالة “فرانس برس”، قائلاً إنه “يمكن تأكيد لقاء لوزان الذي سيكون مع مشاركين إقليميين أساسيين وكذلك روسيا”، من دون أن تحسم قائمة المشاركين بشكل نهائي، خصوصاً في ما يتعلق بمشاركة إيران.
من جهتها، رجحت مصادر “العربي الجديد” داخل المعارضة السورية أن الاجتماع هو استجابة لدعوة أميركية في الأساس، على الرغم من أن لافروف هو الذي أعلن قبل أي طرف آخر، في حوار مع قناة “سي أن أن” الأميركية، عن أن “مفاوضات بمشاركة روسيا وأميركا وتركيا والسعودية وربما قطر حول سورية ستجري قريباً”. كما نقل عن لافروف قوله “نرغب في عقد لقاء بهذه الصيغة المصغرة لإجراء محادثات عمل وليس نقاشات مثل تلك التي تجري في جمعية عامة”. وأعربت المصادر نفسها عن اعتقادها بأن يكون الهدف من وراء الاجتماع، هو بحث مسألة وصول المساعدات الإنسانية. كما لم تستبعد المصادر بحث مسائل أبعد من الممرات الإنسانية، التي قالت إنها قد تكون “غطاءً” لمناقشة أمور أخرى لم تحددها. ويأتي موعد انعقاد اجتماع لوزان بعد يومين من الاجتماع، المقرر اليوم الخميس في الرياض، بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، وبين وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، والذي سيحضر فيه الملف السوري.
كما تزامن الإعلان عن اجتماع لوزان مع إجراء المبعوث الروسي الخاص لشؤون التسوية في سورية ألكسندر لافرينت مشاورات في كل من السعودية وقطر. وأجرى لافرينت، أمس الأربعاء، مباحثات مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير. كما سبق ذلك نقله، يوم الثلاثاء، رسالة شفوية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. كما جاء الإعلان عن موعد الاجتماع بعد تسليم أكثر من ستين دولة، بمبادرة من دولة قطر والسعودية، رسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي للإعراب عن الغضب من التصعيد الخطير للعنف في مدينة حلب. ووفق نسخة حصلت عليها قناة الجزيرة، تدعو المبادرة، التي لم تكن مصر والعراق من بين الموقعين عليها، المجتمع الدولي إلى إنهاء العنف في سورية وحماية الشعب السوري من ويلات الحرب.
في موازاة ذلك، كان المتحدث باسم الخارجية الأميركية جون كيربي، قد مهّد لإمكانية استئناف المشاورات الروسية الأميركية، بعدما نقل عنه قوله، يوم الثلاثاء: “لا يعني تعليقنا التعاون (مع موسكو) توقيفه إلى الأبد، ولكننا نحتاج إلى رؤية خطوات ملموسة يتخذها الروس لإظهار تمسكهم الجدي بتنفيذ مسؤولياتهم”، بحسب ما أورد موقع “روسيا اليوم”.
في غضون ذلك، حاولت روسيا، أمس، الدفاع عن موقفها قبل أيام في مجلس الأمن الدولي، فيما كان لافتاً وجود ما يشبه التعميم بالحديث عن “محاولات تأجيج هستيريا ضد روسيا”.
وعقب يوم من إلغاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارته إلى فرنسا بسبب الخلاف حول مناقشة الملف السوري خلال الزيارة، تولى بوتين، أمس، اتهام فرنسا بالسعي إلى “تصعيد الوضع” بخصوص سورية عبر استدراج موسكو عمداً لاستخدام حق النقض ضد مشروع قرار للأمم المتحدة بشأن سورية، وتساءل إن كانت باريس تنفذ ما تمليه الولايات المتحدة. وأضاف بوتين، في كلمة أمام منتدى اقتصادي في موسكو، أن الفرنسيين “أودعوا مشروع قرار رغم علمهم أنه لن يُعتمَد، من أجل أن يتم استخدام فيتو (روسي) وتصعيد الوضع وتأجيج الهستيريا المحيطة بروسيا”. وفي السياق نفسه، نقل عن المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، إيغور كوناشنيكوف، انتقاده ما سماه “الهستيريا المعادية لروسيا التي يؤججها في غالب الأحيان بعض أعضاء الطبقة السياسية البريطانية”، قائلاً إنه “لم يعد من الممكن أخذها على محمل الجد منذ فترة طويلة”. وكان وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون قد دعا، الثلاثاء، إلى تظاهرات أمام السفارة الروسية، مستنكراً عدم تحرك العالم أمام الغارات الجوية التي يشنها الطيران الروسي على حلب.
أما وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك إيرولت، فدعا روسيا، أمس، إلى التوقف عن دعم رئيس النظام السوري بشار الأسد، معتبراً أن ما تقوم به روسيا في سورية هو قصف للمدنيين وليس محاربة للإرهاب.
تصعيد ميداني في سورية
لكن هذه الدعوة الفرنسية من غير المرجح أن تجد أي صدى في ظل مضي موسكو بقرار إرسال المزيد من التعزيزات إلى سورية. وفي السياق، ذكرت وسائل إعلام روسية، أمس الأربعاء، أن حاملة الطائرات الروسية “الأميرال كوزنيتسوف” ستتجه خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري نحو سواحل سورية مع كامل حمولتها من الطائرات والأسلحة، لتتوجه بعد إنجاز مهمتها هناك، إلى السواحل المصرية. وبينما كان مجلس الاتحاد الروسي يصادق في موسكو، صباح أمس الأربعاء، على اتفاقية نشر “مجموعة القوات الجوية الفضائية الروسية المنتشرة في قاعدة حميميم الجوية”، جنوبي مدينة اللاذقية السورية، “لمدة غير محدودة”، و”بدون مقابل”، كانت الطائرات الحربية تواصل شن عشرات الغارات في مناطق مختلفة تسيطر عليها المعارضة السورية، تركزت أعنفها في أحياءٍ بحلب الشرقية، واستهدفت سوقاً شعبياً في حي الفردوس، إذ أكدت مصادر محلية هناك، لـ”العربي الجديد”، مقتل أكثر من 15 مدنياً. كما سقط ضحايا آخرون، بينهم نساء وأطفال، بسلسلة غارات أخرى. كذلك تشهد مناطق بغوطة دمشق الشرقية منذ أيام، تصعيداً مكثفاً للهجمات الجوية أسقط ضحايا، بالتزامن مع تواصل محاولات قوات النظام لإحداث خرقٍ ميداني واسع. ويقول ناشطون إن هذا التصعيد يأتي في سياق محاولات النظام المستمرة للتقدم هناك، أو إخضاع الفصائل لإجبارها على توقيع اتفاقية مصالحة.
عربي 21