“لا تكدسوا أحزانكم أيها الأطفال.. قد تنفجر في وقت غير مناسب.. العبوا وافرحوا فأنتم من ستعلق عليكم الآمال.” تللك دمدمات الشاب عامر(15) من ريف إدلب مع سماعه صرخات أطفال الحي وهم يلعبون لعبة (شد الحبل) وضحكاتهم تعلو، ما دفعه للنظر إليهم من نافذته الصغيرة ذات الزجاج المكسور.
يقول عامر” التلفاز هو الوسيلة الأكثر تأثيراً على الأطفال كان موعد برامج الأطفال هو الوقت المقدس لديهم فيجلس الطفل ساعات عدة دون ملل، وإن أردت الحديث معه تجد لديه عدم الرغبة بالتجاوب، لكن انقطاع التيار الكهربائي المستمر جراء حرب النظام وأعوانه حال دون ذلك”.
يكشف لنا أبوحمزة معاناة طفله الصغير ذو العين الواحدة إذ إنه فقدها بشظية هاون أيام كان الجيش ما يزال على حواجزه داخل أحياء المدينة الشعبية، أما معاناة طفلي الحقيقية فهي رؤيته أمه – بهذه العين الواحدة- كيف تحولت هذه الأم إلى نصفين جراء إصابتها بشظايا صاروخ طائرة قيل فيما بعد أنها روسية، ما تسبب له بالخوف الدائم والحزن العميق ” كنت أسمع كلمات طفلي الصغير وهو يلعب مع أصدقائه لعبة (المكعبات) ويعاني كثيرا لأنه لا يستطيع رؤية المكعبات التي على يساره فيحسب أن هذا هو كل مالديه فيأخذ رفاقه بالضحك عليه.
يقول الطفل حمزة ” كنت أنزعج من مناداة أمي المتكرر وأنا منشغل بغرفتي باللعب بأجهزة الألعاب الالكترونية الآيباد والكمبيوتر فقد كانت تقيدني هذه الألعاب في غرفتي الساعات الطوال.. يا ليتها تعود.. وتناديني من جديد، فأنا لست ضائعاً كما كنا نشاهد في برامج الأطفال وفي الحلقة الأخيرة من الفلم الكرتوني يعود الطفل لحضن أمه الدافئ بعد عناء طويل وتتبدل أحزانه فرحاً.. أمي فارقت الحياة حقيقةً ولن يتبدل واقعي الحزين أبدا”.
كما يكشف يوسف (10 أعوام)” بعد أن دمر البناء الخلفي لمنزلي وأصبح مهجوراً خاليا من روح الحياة بات لنا مكانا للعب والتسلية وخصوصاً لعبة (الطميمة) وتربية القطط الصغيرة التي تفرح قلوبنا بحركاتها العفوية، ولا ننسى الفتيات الصغيرات فقد عمدن للعب بلعبة ( بيت الجيران ) حيث إن كل فتاة صغيرة ترغب بالتحدث عن معناتها وتفضفض عن شيء من الحزن القابع داخلها.
تقول سارة” عند شعوري بالملل الشديد ألجأ إلى مدخل البناء الذي نسكنه بصحبة بنات الجيران ونعمد لنشر ألعابنا البسيطة (دمى، فناجين قهوة بلاستيكية وصحون قديمة… مع الحرص على عدم مغادرة المبنى تحسباً من أي مشاكل قد تعترضنا.. وفي بعض الأحيان نلعب لعبة (القفز على الحبل) ونلجأ لرسم مربعات بالطبشور على الأرض ونقفز على رجل واحدة”.
عودة الألعاب الشعبية المسلية تمنح فرصة لعودة المتعة لحياة الأطفال التي افتقدوها زمن الحرب في وطننا فهي تشجع الأطفال على الحركة والاختلاط بأقرانهم وتبعدهم عن العزلة والقوقعة على الذات لتشكل منهم شخصيات اجتماعية، يرغب الأهل بتنميتها فقد لوحظ بالآونة الأخيرة ظهور أمراض نفسية انتشرت بين الأطفال جراء حرب النظام كمرض السكري عند الأطفال نتيجة الخوف الشديد من القصف، والتبول غير الإرادي، والأطفال مهما كانت أعمارهم فهم يحبون الضحك واللعب والحركة..
إنهم شعلة من النشاط والحيوية مهما تعرضوا للآلام والأحزان فهم شمعة الأمل التي تعلق عليها الآمال المستقبلية ومن أجلهم نستمر بالعطاء.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد