شاعت في الآونة الأخيرة ، أخبارا تتحدث عن نية الحكومة السورية المؤقتة بدء التعامل بالليرة التركية ، بدلا من السورية ، في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة .. وقد صرح مسؤول في الحكومة أن الأمر يجري دراسته ، وأن الخطوات الأولى لضخ مبالغ بالليرة التركية ، شارفت على البدء بها . بدون شك ، لاقى الخبر تفاعلا كبيرا على وسائل التواصل الاجتماعي ، بين رافض تماما للفكرة وبين مؤيد لها ، إلا أن ما كان يميز هذه النقاشات ، هو أنها معبأة بالموقف السياسي ، بينما لم يحاول أي أحد أن يناقش الموضوع من الناحية الاقتصادية ، وهو ما سنحاول مناقشته في هذه الزاوية .. أولا ، فكرة استبدال العملة بعملة أخرى ، هو إجراء اقتصادي يلجأ إليه الأفراد وليس الحكومات ، في حال تذبذب أسعار العملة الوطنية ، وعدم استقرارها ، وهو ما يؤدي إلى خسائر فادحة في مدخرات الناس من تلك العملة .. لذلك يقوم الأفراد بشكل غريزي بالاستعانة بعملة مستقرة ، وغالبا ما تكون هذه العملة ، هي الدولار أو اليورو .. والبعض الآخر يلجأ إلى شراء الذهب ، من الميسورين ، لحفظ مدخراتهم . أما على مستوى الناس العاديين ومن ذوي الدخل المحدود ، فإن تذبذب سعر الصرف ، يؤدي إلى ارتفاع الأسعار ، وبالتالي فقدان دخلهم لقيمته في شراء حاجياتهم المعيشية ، والذي يسمى في علم الاقتصاد بالتضخم . لذلك من الناحية المنطقية ، فإن اللجوء إلى عملة أكثر استقرارا ، هو من العوامل التي تحافظ على القدرة الشرائية للناس العاديين .. لكن السؤال الذي يطرح نفسه ، هل العملة التركية من العملات المستقرة ..؟ إلى حد ما تعتبر العملة التركية من العملات المستقرة ، ونسبة التذبذب فيها ، صعودا وهبوطا ، قليلة ، وهو ما يجعلها أكثر مناسبة للتداول من الليرة السورية .. لكن بنفس الوقت ، فإن استبدال العملة بين أيدي الناس ليس بالأمر السهل ، وكذلك تسعير السلع الموجودة لدى المحال التجارية ، سيما وأن الكثير منها يتم جلبه من مناطق النظام .. فهي عملية لا يمكن إنجازها بين يوم وليلة وبحاجة لشهور طويلة ، قد تؤدي إلى فوضى في الأسواق ، وفقدان للسلع أو مضاربات بين التجار ، من أجل تحقيق مكاسب أكثر .سيما وأنه في المناطق المحرر لا يوجد بنوك ، كما أنه لا يوجد سلطة مركزية واحدة قادرة على إدارة هذه العملية بنجاح . الحل من وجهة نظرنا ، هو أن لا يكون قرار استبدال العملة ، قسريا ، بل لندع الناس تتجه إليه غريزيا من أجل الحفاظ على مدخراتها .. وهم من سيختارون العملة التي تحفظ مصالحهم وتحمي قوة عملهم وتجارتهم .