شكلت المجزرة التي ارتكبها النظام في حي التضامن، جنوب العاصمة دمشق، عام 2013، وكشفت عنها مؤخراً صحيفة الغارديان البريطانية، يوم الأربعاء الفائت، قضية رأي عام، لدى الأوساط الإعلامية والحقوقية السورية والدولية، من خلال صعوبة المشاهد في مقطع الفيديو المرفق في التحقيق الذي أنجز من قبل الباحثين، أنصار شحّود وأوغور أوميت أونجور، العاملين في “مركز الهولوكوست والإبادة الجماعية” في جامعة أمستردام.
ويوضح التحقيق الطويل الذي كتبه مارتن شولوف قصة نقل الفيديو من مناطق سيطرة النظام إلى أوروبا، في رحلة يحيطها الكثير من المخاطر، إضافة إلى تفاصيل دقيقة عن كيفية التحقيق الذي خاضه الباحثان للوصول إلى هوية مرتكب “المجزرة المفزعة”.
ويظهر المقطع المصور كيف قام جنود النظام السوري، بقتل 41 مدنياً، إثر رميهم بالرصاص في حفرة يقدر طولها 8 أمتار وعرضها نحو 4 أمتار، حيث يقوم الجنود بدفع الضحايا الواحد تلو الآخر، ثم يقومون بتوجيه نيران بنادقهم عليه بشكل مباشر ليغدو في عداد الموتى.
ولا يكتفون بذلك فقط، بل يقوم جنود الأسد، بوضع إطارات سيارات داخل الحفرة وحرق الأشخاص الذين باتوا جثثاً هامدة، ليخفوا تلك الجريمة المروّعة التي هزّت كيان الإنسانية جمعاء.
مجزرة الغوطة الكيماوية
وفي العام نفسه الذي نُفذت فيه مجزرة التضامن، 2013، حدثت مجزرة ما تزال عالقة في أذهان السوريين، عندما استُخدم غاز السارين الكيميائي ليقتل 1400 مدنياً في بلدات زملكا وعين ترما وكفر بطنا، وعربين بالغوطة الشرقية، حيث استيقظ سكانها على رائحة المواد الكيميائية، حينها أشارت تقارير إعلامية وحقوقية تتحدث عن “إطلاق 16 صاروخاً، من نوع أرض أرض محملة بغازات سامة يرجح أنها من نوع “السارين” من داخل اللواء 155 بالقلمون في الساعة 2:31 من صباح 21 أغسطس/ آب 2013.
فيما أكدت منظمة “هيومن رايتس ووتش، أنه “بعد أكثر من أسبوعين من الهجوم، حصلت على أدلة توضح وقوف قوات النظام السوري وراء مجزرة الغوطة”.
ولكن تقرير لجنة التفتيش التابعة للأمم المتحدة الذي صدر في 16 سبتمبر/ أيلول 2013، لم يحمل مسؤولية الهجوم لأي جهة أو طرف، واكتفى بوصف الهجوم بأنه جريمة خطيرة ويجب “تقديم المسؤولين عنها للعدالة في أقرب وقت ممكن”، موضحاً إلى أنه تم بواسطة صواريخ أرض أرض، وأطلقت بين الثانية والخامسة صباحاً، مما جعل حصيلة الضحايا كبيرة.
مجزرة نهر قويق في حلب
يعكس عدد المجازر وحجم الدمار الذي أحدثته آلة القتل والخراب التي قامت بها قوات النظام، أن عام 2013 كانت ذروتها، بالرغم من عدم توقفها حتى وقتنا الراهن، وفي 29 يناير/ كانون الثاني من ذات العام، أفاق سكان حي بستان القصر عند الساعة السابعة صباحاً، على وقع رؤية 220 جثة تعود لمعتقلين بالفروع الأمنية، مرمية على طرفي نهر قويق بحلب.
وتبيّن معلومات، أنّ النظام بعد إعادة سيطرته على حلب، أقدم على نبش قبور ضحايا مجزرة النهر، بحسب الأهالي الذين شاهدوا استقدام النظام آليات ضخمة إلى حي بستان القصر وأخذ الرفات إلى مكان مجهول.
مجزرة البيضا “بانياس”
وعندما يكون الحديث عن مجازر 2013 لا بدّ من الحديث عن مجزرة البيضا في مدينة بانياس الساحلية، حيث أقدم جيش النظام برفقة مليشيات طائفية على قتل ما يقرب من 248 شخصاً رمياً بالرصاص، وذلك بحسب شهادات لناجين، قالوا، إنه تم “جمع الرجال والأطفال والنساء في مجموعات متفرقة ومن ثم تفننت قوات النظام ومجموعات الشبيحة الطائفية في قتلهم، سواء بالحرق أو الذبح، حسب الصور التي نُشرت على مواقع التواصل ورواية أحد الناجين من هناك”.
ولم يكتفوا بذلك، فقد أحرقوا المنازل وسلبوا الممتلكات، وبمشاركة أهالي قرية الزوبة الموالية للنظام والمجاورة للبيضا، وفقاً لناجٍ من المجزرة.
وبعد كل تلك المجازر ما يزال النظام يمارس القتل والاعتقال والتدمير، إضافة إلى سياسة التهجير والتجويع والقهر، وبالمقابل ما زال المجتمع الدولي يشعر بالقلق دون أن يحرك ساكناً، على صعيد محاسبة المجرمين والقتلة الموثقة جرائمهم.
ما فعله الأسد هو محاولة لتلميع صورته قليلاً فلم يجدوا إلا قضية إخراج المساجين من قبل مسلخ صيدنايا و ليظهر سفاح العصر على أنه حمامة سلام، و لعل بعض الدول ستقوم بترشيحه لجائزة نوبل للسلام.
بدوره ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بخبر “العفو و إطلاق سراح معتقلي سجن صيدنايا” و لعل الأمر قد افتضح فيما بعد فلا يتجاوز من خرج بضع عشرات فاقدي الذاكرة ناهيك عن أجسادهم الهزيلة و النحيلة، و يأتي ضباع الأسد في سوريا و يروجوا لمكرمة العفو.
عن أي عفو يتحدثون؟!
صور الخارجين من السجن بليغة في الوصف و الشرح للذي عانوه وقاسوه، رغم رؤيتي لأمهات المعتقلين و ذويهم فقد كنت أترقب بدقات قلب متسارعة خروج أبنائنا حالي كحال ذويهم في تراجيديا المأساة السورية .
و في المقابل هل أغلق باب السجن؟ لا لم يغلق فمن حوّل سوريا إلى غابة و ابتدع وسائل تعذيب و مسالخ، يعلم شعبه جيداً أن أبواب السجن لن تغلق فالاعتقالات لم تتوقف و مازال الأسد و زبانيته يبتدعون وسائل تعذيب و قتل و انتهاكات بالجملة.
فسوريا بالنسبة لهم هي غابة و مزرعة يحق لهم كل شيء تحت أنظار المجتمع الدولي و منظمات حقوق الأنسان، فالأسلحة المحرمة دولية كان لها نصيب من شعب طالب الحرية والعدالة مع امتداد ثورات الربيع العربي، ودائماً ما كان المجتمع الدولي صامتاً وشاهداً على مقتل ما يقارب المليوني شهيد وتدمير البنى التحتية واستخدام الأسلحة الكيميائية وتغاضي المجتمع الدولي عنه.
و رغم المآسي مازال الشعب السوري صامداً، متحدياً كل الظروف والعثرات التي يواجهها لاقتلاع نظام بطش بهم وجعلهم محرقة أمام العالم أجمع.
محمود معراوي/ مقال رأي
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع