في إطار دفاعه عن قرار منع مواطني سبع دول مسلمة من الدخول للولايات المتحدة، استعان ترامب “بصديق”، على طريقة برنامج “من سيربح المليون”! الصديق أو الأصدقاء كانوا من الدول العربية الذين قال ترامب في إحدى تغريداته المثيرة أنهم يؤيدون إجراءاته وهم مسلمون، فكيف يعارض أبناء بلده غير المسلمين قرارا رضي به المعنيون؟ وهل سيكون الأمريكان مسلمين أكثر من المسلمين؟
وفي سياق متصل، احتفى إعلاميون ونشطاء عرب بهجوم ترامب المتكرر ضد إيران، وعبروا عن فرحهم من خلال هاشتاج “شكرا ترامب”، باعتبار أنه قد يكون المخلص الذي أرسله الله ليخلص الخليج والدول العربية من شر إيران المستطير!
لن نقيم هذا الشعار “أخلاقيا” في وقت يتخذ فيه الرئيس الأمريكي الجديد سياسات معادية للمسلمين بشكل علني، ويساهم في ترويج خطاب الإسلاموفوبيا، ويعين أكثر اليمينيين تطرفا كمستشارين له، لأن التقييم الأخلاقي قد لا يعني الكثيرين ممن يتبنون شعار “شكرا ترامب”. ولكننا سنتحدث من ناحية براغماتية وسياسية بحتة.
يبني أصحاب شعار شكرا ترامب رؤيتهم على تصريحاته المعادية لإيران، ولكن هؤلاء يتناسون بالطبع أن التصريحات “ليس عليها جمرك”! كما يقال، وبالتالي فإن تصريحات ترامب الغاضبة والشديدة تجاه طهران لا يعني أنها ستترجم إلى أفعال، لأن أمريكا -بغض النظر عن رئيسها- غير معنية بحروب خارجية جديدة، ولأن واشنطن وقعت الاتفاق النووي مع طهران ضمن مجموعة الـ5+1 وليست منفردة، وهي مجبرة بشكل أو بآخر على التنسيق مع شركائها في حال أرادت تغيير الاتفاق أو التراجع عنه.
وإذا كان للتصريحات أن تعبر عن سياسات ترامب القادمة، فلا بد أن تؤخذ هذه التصريحات بعمومها، وليس فقط ما يتعلق منها بإيران، فقد شن الرجل هجوما كلاميا أثناء حملاته الانتخابية ضد السعودية ودول الخليج، وطالبها بدفع تكاليف “حمايتها” من قبل أمريكا، وهو ما يعني أن السياسة الخارجية الأمريكية في عهده، حتى لو كانت متشددة تجاه طهران، فإن هذا لا يعني أنها ستكون داعمة لدول الخليج، بل إن المتوقع أن يطبق الرجل بشكل أكثر حدة ووضوحا مبدأ رفض “الركوب المجاني” الذي تحدث عنه أوباما في وصفه لحلفاء واشنطن في الشرق الأوسط وفي مقدمتهم دول الخليج.
إن إحدى المشاكل الرئيسة في محاولة استجداء المواقف القوية ضد إيران من ترامب، هي أن هذه المحاولة تعبر عن أزمة في سياسات الدول العربية القائمة على وضع كل البيض في سلة واشنطن، بدلا من الاعتماد على الذات أولا، وتنويع التحالفات المبنية على الندية ثانيا.
فبينما تعمل إيران على بناء قوتها الذاتية أمنيا وعسكريا واقتصاديا، تفشل الدول العربية في بناء اقتصاد إنتاجي وصناعي وتكتفي بالنموذج الريعي القائم على تصدير النفط، وتعتمد كليا على الحماية العسكرية للدول الغربية واستيراد سلاحها بمليارات الدولارات سنويا. وبينما تنوع إيران تحالفاتها تلتزم الدول العربية بالتحالف الاستراتيجي مع واشنطن.
وبينما تبني إيران قوتها الخشنة في المنطقة على دعم قوى غير حكومية منظمة عسكريا وأمنيا بالاعتماد على أيديولوجيا تصدير الثورة الشيعية بشكل أساسي، تفشل الدول العربي في إنشاء أذرع شبيهة، بل تحارب في كثير من الساحات أية قوى عربية يمكن أن تمثل مشروعا عربيا أو إسلاميا حقيقيا.
المشكلة الأخرى في هذا الطرح هو اختزال مشاكل الإقليم في إيران، وهو ما يفسر الاحتفاء عند بعض العرب بترامب، على الرغم من سياساته المعادية للمسلمين، ودعمه المطلق وغير المشروط لدولة الاحتلال. هكذا يصبح الموقف من المسلمين والإسلام كدين عند بعض رموز إدارة ترامب مثل “مايكل فلين” و”ستيف بانون” أمرا هامشيا عند بعض العرب.
كما تصبح إسرائيل عاملا غير ذي صلة، والقضية الفلسطينية تفصيلا بسيطا.
أما استعداد ترامب للتعاون مع الأسد وموقفه من الأزمة السورية فهو بند لا مكان له في أجندة العرب المزدحمة بالملفات الساخنة.
هذه المنطلقات العملية وغيرها، تدفعنا للقول إن رافعي شعار الشكر لترامب يرتكبون خطأ استراتيجيا، ويتابعون المسار ذاته الذي أثبت فشله؛ ونعني مسار الاعتماد الكامل والحصري على الولايات المتحدة بدلا من تعزيز القوة الذاتية، كما أنهم يخطئون أيضا بتحييد كل المخاطر الاستراتيجية وحصر مشاكل المنطقة وأزماتها بإيران فقط.