امرأة في الثمانين من العمر تقريباً، عيناها الصغيرتان مليئتان بشجون كبير، معاناتها بادية على وجهها الذي حفرت فيه قسوة الزمن أخاديدَ عميقة، فما قصّتها، وأين انتهى بها مطاف مسيرة 80 عاما.
الحجّة فاطمة، وُلدَت في قرية تتربّع على ضفاف نهر العاصي، طفولتها لاتختلف عن طفولة الكثيرات من أترابها، ولكنّ حياتها المستقبلية كانت مختلفة.
تزوّجت في سنٍّ صغيرة، ومع ذلك وقفت إلى جانب زوجها في معترك الحياة، ساندته، وشدّت على يده.
شاء الله سبحانه ألّا تُرزقَ بأولاد، فتزّوج زوجها بأخرى، وطلّقها بعد سنوات من خدمتها له، وصبرها على حلو الحياة ومرّها معه. عادت إلى قريتها حزينة منكسرة وحيدة، لا أبٌ ولا أمٌّ ولا مالٌ ولا ولد.
الأولادُ رزقٌ من الله تعالى، وهم زينة الحياة الدنيا، ولحكمة من الوهّاب المعطي قد يُحرم أحد الزوجين أو كلاهما من هذه النّعمة. فتصبح العائلة أمام مفترق طرق، إمّا أنْ يستمرَّ الزّوجان في حياتهما، ويصبرا إلى أنْ يشاء الله تعالى أنْ يمنَّ عليهما بها، أو أنْ يفترقا، أو تبقى الزوجة في بيت زوجها ويتزوج بأخرى.
اقرأ أيضاً: عجوز سبعيني يحول الخشب الصامت إلى تحف فنية ناطقة!!!
أحد أقربائها أخذها لتعيش معه وسط عائلته كفردٍ منها.
كانت الحجّةُ عفيفَةَ النّفس، عزيزتَها، فضلا عن همّتِها العالية وطيبةِ قلبها. بقيت معهم مدّة من الزّمن ولكنّها آثرت أن تخفّف من حملها عن قريبها، وتعيل نفسها بنفسها، بعد أن أظهرت له الامتنان على صنيعه معها.
أهل الخير من أقربائها بنوا لها غرفة مستقلة، وأخذت هي تعمل في الأرض (بالأجرة) لتكفي نفسها مؤونة السؤال، وإنْ سألها أحد عن حالها تخبره أنّها بخير ولا ينقصها شيء، علما أنّها باتت متقدّمة في السنّ، والعمل في الأرض لمن في عمرها صعبٌ وشاق.
كانت نظيفة ومرتبة، وكريمة جدّا. ورائحة النظافة لاتفارقها ولاتفارق بيتها. تُقْري ضيفها، وتُسْعِدُ جليسها، ولكنّها في الليل تعود وحيدة، لاتجد منْ يؤنس وحشتها، ويسرّي عنها.
بقيت على هذه الحال إلى أنْ هُجِّرت من بيتها وقريتها بسبب براميل النظام المتفجرة، وقصفه بيوت القرية وتهجير كلّ مَنْ فيها.
انتهى بها المطاف في مخيّمات النّزوح في الشمال السّوري بعد معاناة طويلة، وشظف عيش كبير، لتعود مرة ثانية وحيدة في خيمة لادفْء للحياة فيها.
هجّر النظام الأسدي قرى ومدنا بأكملها، بعد أن دمّرها ونهب بيوتها، فذهب قسم كبير منهم إلى مخيّمات النّزوح التي تفتقر إلى كثير من مقوّمات الحياة الكريمة.
جلست الحجّة فاطمة في خيمة لا تقيها هجير الصيف ولا تردّ عنها برد الشتاء، ناهيك عن برودة الوحدة وصقيعها.
عادت ثانية لتعيش وحيدة، ولكن هذه المرة في خيمة بلا جدران، ولا أهل ولاخلّان، بعد أن بلغت من الكبر عتيّا، ولسان حالها يقول: ” كيف سأعيش هنا أنتظر من يأتيني بسلّة غذائية أو معونة من هنا وهناك، وأنا التي عشت عفيفة النفس طوال عمري.. أصرف على نفسي من تعبي وعرق جبيني”.
ظلال عبود
المركز الصّحفي السّوري عين على الواقع