بعد خسارة نظام الأسد لشعبه نتيجة الأخطاء الفادحة التي ارتكبها، ودخول داعش إلى المنطقة، تولدت الفرصة المناسبة لتأسيس دولة كردية مستقلة في الشمال السوري.
استغل حزب العمال الكردستاني “بي كي كي” هذه الفرصة قدر المستطاع.
اعتمد بي كي كي إستراتيجية استغلال الفرص والاستفادة من الفراغ المتشكل نتيجة للوضع السائد في المنطقة. إذ أصبح حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية الشعبية يشكلان لب الإدارة المدنية والعسكرية في المنطقة. ولكن نلاحظ إلى جانب ذلك ظهور شبكات اقتصادية واجتماعية جديدة تستند إلى الحكم الذاتي لبعض الوحدات الرسمية التي تمثل الجناح السياسي والعسكري للعشائر العرب وتستمد قوتها من هذه العشائر مثل قوات سورية الديمقراطية.
وبالنسبة إلى الغرب فإنه يظهر التعاطف اتجاه حزب الاتحاد الديمقراطي نظراً إلى ما يزعم ويصف به الأخير نفسه من “مساواة، علمانية وتقدّم”.
من جهة أخرى، نظراً إلى الأحداث الأخيرة فإن بي كي كي لم يعد ذلك التنظيم الذي يحاول تحقيق أحلامه البعيدة عن الواقع، ويعتمد على إيديوليجية العنف اللطيف خلال صراعه. حتى إنه يمكننا القول: إن الهيكل الموجود في سورية أدى إلى انخفاض الأهمية العسكرية لـ بي كي كي. إذ إن بي كي كي يتضمن 5 آلاف عنصر، في حين تتضمن وحدات الحماية الشعبية ما يقارب الـ 50 ألف من العناصر داخل هيكلها، ومعظم هذه العناصر لا يشاركون بي كي كي في إيديوليجيته. لكن ما تزال وحدات الحماية الشعبية تعمل ضمن إستراتيجية بي كي كي، ذلك جانباً إلى تأمينها لإمكانية إسناد التنظيم الرئيسي إلى قاعدة أكثر سياسةً من سابقها.
ستتغير الواجهة السياسية للّوحة التي رأيناها أثناء استعادة قوات سورية الديمقراطية للرقة من داعش بدعم من أمريكا وموافقة من روسيا.سيطالب حزب الاتحاد الديمقراطي بالمشاركة في مؤتمري أستانة وجنيف متحججا بأنه فعل ما يقع على عاتقه لإيجاد الحل وتحقيق السلام في المنطقة. لذلك لن يكون تقرّب بعض الأحزاب الكردية الأخرى “عدا بي كي كي” من حزب الاتحاد الديمقراطي مثيراً للغرابة.
أما بالنسبة إلى بي كي كي يحاول التخلص من صفة الـ “تنظيم إرهابي عدواني”، ويسعى لكي تتاح له فرصة الجلوس على مقعد الـ “مدافع شريف عن حقوق الأكراد”.
إن استغلال بي كي كي لهذه الفرصة سيكون مرتبطاً بموقف تركيا أيضاً بقدرارتباطه بمواقف كل من أمريكا وروسيا. لكن يجب علينا أن نرى هذه الحقيقة، وهي أنه يمكن لتركيا أن تقف مؤقتاً في وجه الأحلام والآمال التي يبنيها بي كي كي وحزب الاتحاد الديمقراطي، ولكن عليها أن تفعل أكثر لتتمكن من مسحها من الوجود أو إخراج هذا العامل من المعادلة السياسية الموجودة في الشرق الأوسط.
البعض يرى أنّ المسارعة إلى استخدام إستراتيجية أكثر ليونة خلال العلاقات القائمة مع بي كي كي وحزب الاتحاد الديمقراطي سيؤدي إلى إمكانية إيجاد حل سياسي للمسألة. وسنلاحظ قدوم دعم كبير من أمريكا والغرب حيال هذه المسألة. إن السياسة الداخلية لم تعد مستقلة عن السياسة الخارجية
إلى جانب مدى واقعية هذه اللوحة، فإن تركيا ستحافظ على موقفها وستعارض السماح لـ بي كي كي وحزب الاتحاد الديمقراطي بتشكيل منطقة مستقلة بالقرب من حدودها. لكن هذا الموقف لن يؤدي فقط إلى توليد مصدر توتر جديد بين تركيا وأمريكا، إنما سيؤدي أيضاً إلى ترك انطباع “أن تركيا تشكل عائقاً أمام تحقيق السلام في سورية” بالنسبة إلى دول الغرب، ولا شك في أن العديد من الدول ستكون مسرورة من تكرار هذه العبارة.
لذلك إن كان من الضروري تتبع مسار عقلاني فلا جدوى من إغلاق أعيننا أمام هذه الحقائق. يجب على تركيا الانخراط في مبدأ السياسة الخلفية، إضافة إلى المساهمة في نضوج وتطبيق المفاوضات المتوقعة قبل حدوثها بالشكل الذي تراه مناسباً لمصالحها.
ترك برس