آلة قصف ودمار هائلة عصفت بالأراضي السورية بعد تحريرها من أيدي قوات النظام على يد الفصائل الثورية، أدت تلك الآلة لحدوث خراب كبير في المنازل والبنى التحتية بالإضافة لعشرات الشهداء التي تبقى جثثهم مدفونة تحت أنقاض منازلهم وركامها.
كل تلك الأمور ومع كثرة القصف الهمجي بالطائرات الحربية والمروحية والبراميل المتفجرة، وانتشار حالات الوفاة تحت الأنقاض، وانطلاقا من هدف نبيل وهو مد يد العون للسوريين الذين استهدفتهم تلك الآلة والذين رفضوا الاستسلام وبقوا في منازلهم رغم كل ما عانوه تشكل في الأراضي الخارجة عن سيطرة قوات النظام ما يسمى بـ ” الدفاع المدني السوري”.
متطوعون من كافة الأعمار والمهن المختلفة وحتى الشهادات الدراسية والجامعية جمعتهم إرادة موحدة في مواجهة العنف المتصاعد ضد المدنيين، ومساعدة الضحايا الذين يطالهم القصف رغم قلة كبيرة ونقص في العدة والعتاد والآلات المستخدمة اللازمة سواءٌ في إخراج العالقين أو رفع الأنقاض وإزالة الركام.
ما يقارب 115 مركزا يتبع لمؤسسة الدفاع المدني السوري تشكّلت في ثمانية محافظات سورية مختلفة كان أولها في محافظة إدلب، تضم ما يقارب 3000 متطوع هدفهم الأساسي الوحيد تقديم المستطاع لإنقاذ ما يتمكنون من الأرواح عقب كل قصف تتعرض له المنطقة التي يوجد فيها مركزهم، وصفة عملهم هي انعدام الأمن على عكس الفرق في دول العالم الأخرى.
“محمد” من مدينة جسر الشغور في ريف محافظة إدلب الغربي، شاب في العشرينات من عمره ترك دراسته في جامعة تشرين في اللاذقية والتحق في صفوف الدفاع المدني ليعمل إعلاميا وموثقا للحالات التي استجاب إليه فريق الدفاع المدني الذي يعمل فيه وخاصة بعد تحرير مدينته جسر الشغور في شهر نيسان/أبريل من عام 2015 يقول : ” بدأت العمل مع فريق من الشباب المتطوعين، كان يبلغ عددنا في بداية الأمر ما يقارب الـ 10 أشخاص وزاد ذلك العدد بعد تحرير مدينتي جسر الشغور وخروج قوات النظام منها، استجبنا لعشرات النداءات بعد أن اشتد القصف الجوي والمدفعي على المدينة، وقمنا بإخراج عدة حالات من تحت الأنقاض وأخمدنا عدداً من الحرائق الناتجة عن قصف الطائرات الحربية، بالرغم من عدم توافر الكثير من الأدوات والآليات اللازمة إلا أن تعاون المدنيين معنا ومساعدتنا في عملنا يؤمّن لنا ما نحتاج.. قدر المستطاع “.
هذا وسجل عدد من الشهداء والمصابين في صفوف فرق الدفاع المدني وخاصة بعد تدخل القوات العسكرية الروسية في سوريا أواخر شهر أيلول/سبتمبر من عام 2015، إذ أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان 22 أيار/مايو من العام الحالي تقريرا يسلط الضوء على الانتهاكات التي تعرضت لها فرق الدفاع المدني السوري على أيدي قوات النظام، فوثقت الشبكة مقتل 106 من عناصر الدفاع المدني 99 منهم على يد قوات النظام السوري وثلاثة عناصر على يد القوات الروسية وأربعة على يد جهات لم تتمكن الشبكة من تحديد هويتها، كما بلغ عدد حالات الاعتقال الموثقة 16 حالة منهم على يد التنظيمات الإسلامية المتشددة حسب ما وصفت الشبكة، كما أحصى التقرير أيضا 66 حالة اعتداء على مراكز الدفاع المدني بفعل قوات النظام والقوات الروسية.
ما زالت فرق الدفاع المدني -حتى يومنا هذا- تبذل الغالي والرخيص لمساعدة المدنيين ممن يطالهم القصف، فسقط اليوم ” هيثم الحسن ” أحد عناصر فريق مركز الدفاع المدني في بلدة كللي في ريف محافظة إدلب قتيلا وأصيب عنصر آخر بجروح إثر غارات جوية استهدفت بلدة ترمانين في ريف المحافظة.
و مع كل تلك التضحيات، ورغم الموت الذي يلاحق عناصر فرق الدفاع المدني السوري والصعوبات التي تتعرض لها تلك الفرق، إلا أنهم يأبون الاستسلام والتوقف عن أداء واجبهم الإنساني تجاه المدنيين الذين يتعرضون للقتل الممنهج في الصراع الحاصل في الداخل السوري.
المركز الصحفي السوري – محمد تاج