محمود عثمان – خاص ترك برس
بدعم وغطاء تركي , تواصل فصائل الجيش الحر المنضوية ضمن عملية “درع الفرات” , تقدمها نحو مدينة الباب , حيث وصلت إلى مشارف القرى الواقعة ضمن ريف المدينة التي يسيطر عليها تنظيم داعش وتعتبر أحد أهم معاقله ، وأصبح لا يفصلها عنها سوى مسافة تقارب 20 كيلومترا , عقب السيطرة على بلدة دابق ذات الرمزية التاريخية ، بالتوازي مع تراجع التنظيم وانسحابه من عدد من قرى مارع ، باتجاه ريف مدينة الباب الواقعة في ريف حلب الشمالي الشرقي , لترتفع مساحة مناطق سيطرة عملية “درع الفرات” الى ألفي كيلومتر مربع من أصل خمسة آلاف حددتها تركيا منطقة آمنة وخالية من إرهاب “داعش” ومقاتلي “وحدات حماية الشعب” الكردية الإرهابيين.
أنقرة جددت مطالبها لوزير دفاع الولايات المتحدة الأمريكية خلال زيارته لتركيا , بضرورة انسحاب حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي إلى شرق نهر الفرات , حيث كانت عملية “درع الفرات” إلى جانب تحرير الموصل المواضيع الأكثر حضوراً في المباحثات بين الطرفين التركي والأمريكي . لأن توسع عملية “درع الفرات” يجعلها تقترب أكثر فأكثر من المواجهة مع وحدات الاتحاد الديمقراطي الكردية المدعومة أمريكيا.
تقدم فصائل الجيش الحر المنضوية في عملية “درع الفرات” المدعومة من الجيش التركي نحو مدينة الباب أحد أهم معاقل تنظيم “داعش” , يجعلها على تماس مباشر مع قوات نظام الأسد والميليشيات الإيرانية المدعومة من موسكو و “قوات سورية الديموقراطية” الكردية – العربية (!) المدعومة من واشنطن . وهذا يعني أن تركيا نجحت في تقطيع أوصال الكيان الكردي المزعوم في شمال سورية.
المشهد العسكري كما المشهد السياسي ذاهب إلى مزيد من التعقيد والتشابك , فقد باتت قوات “درع الفرات” المعززة بآليات ومدفعية وطائرات تركية من جهة , و “قوات سورية الديموقراطية” المدعومة من التحالف الدولي بقيادة أميركا من جهة ثانية , وتنظيم “داعش” من جهة ثالثة، على خط تماس مشترك . وفي حال تمكنت فصائل الجيش الحر من التقدم جنوباً، فإنها ستصبح على تماس مباشر مع قوات نظام بشار الأسد المدعومة من الميليشيات الإيرانية ومن الطيران الروسي في القرى القريبة من تل جبين والواقعة في ريف حلب الشمالي التي تتصل مع بلدتي نبّل والزهراء المواليتين لدمشق ومع قوات النظام الموجودة شمال حلب.
حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي كان قبل عامين قد أعلن إدارات ذاتية شمال سورية وشمالها الشرقي ، ثم أعلن في ربيع العام الحالي إقامة فيديرالية بين المناطق الخاضعة لسيطرته ، الأمر الذي تعتبره تركيا مهددا لأمنها القومي و خطاً أحمر , لا مجال للمساومة فيه . مما ساهم مع عوامل اقتصادية أخرى في ردم الهوة بين أنقرة و موسكو وتطبيع العلاقات بينهما من جديد , من خلال الحفاظ على وحدة سورية ومنع تقسيمها أو قيام فيديرالية فيها.
يتفهم الروس هواجس الأتراك من قيام كيان كردي شمال سورية . لذا فقد طلبوا منهم المساعدة في إخراج “جبهة فتح الشام” (النصرة سابقاً) من شرق حلب والتضييق على دعمها عبر حدود تركيا، مقابل دعم موسكو للعمليات التركية ضمن “درع الفرات” وفق مبدأ المقايضات الصغيرة خطوة بعد خطوة.
نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتولموش والناطق الرسمي باسم الحكومة التركية حذر من “مساعٍ لتقسيم المنطقة من جديد عبر سايكس – بيكو ثانية، وقال إن تركيا تعمل على منع تنفيذ ذلك”. وأضاف “تم تقسيم حدود المنطقة قبل مئة عام، والآن هناك من يحاول تمزيق عقول وقلوب سكانها ، تركيا تعمل على منع تقسيم المنطقة من جديد “.
بالتوازي مع معركة تحرير الموصل من تنظيم “داعش”، يتم التسخين لمعركة مقبلة على التنظيم في الباب ثم في الرقة. وقد أكد الرئيس رجب طيب أردوغان على مشاركة تركيا في كلتا العمليتين بقوله : ” نحن موجودون في ساحة المعركة , وحاضرون على الطاولة أيضاً ” ردا منه على مساعي إيران من خلال رئيس وزراء العراق حيدر العبادي الذي قاد حملة لاستبعاد تركيا من معركة الموصل وما بعدها .
موسكو تخشى من أن أميركا تخطط لنقل “داعش” من الموصل الى الرقة ، وترك الروس وجها لوجه أمام تنظيم داعش في حرب استنزاف طويلة الأمد . وقد أشار الجنرال فاليري غيراسيموف من رئاسة أركان الجيش الروسي إلى أن الهجوم الذي يشنه الجيش العراقي بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على الموصل “يجب ألا يؤدي الى إخراج إرهابيي تنظيم “داعش” من العراق الى سورية وانما القضاء عليهم حيث هم. وأضاف :” نأمل بأن يكون شركاؤنا في التحالف الدولي على إدراك لما يمكن أن يحصل لهذه المجموعات المسلحة من تنظيم داعش وهي تندحر”.
واشنطن تريد إنهاء ولاية الرئيس باراك اوباما, إما بتحرير الرقة بمساعدة حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي تحت مسمى “قوات سورية الديموقراطية” , أو بتحرير الموصل بدعم الجيش العراقي وميليشيات الحشد الشعبي الموالية لإيران . لذلك سارعت تركيا بالإعلان عن استعدادها للمساهمة في تحرير الرقة محذرة من أن إعطاء دور قيادي للأكراد ينذر بتوتر عرقي شرق سورية.
الرئيس أردوغان فتح منذ فترة ملف اتفاقية لوزان , وصعد من لهجة انتقاده لها , معتبراً أنها كانت هزيمة وليست نصرا , وضاربا مثالا على ذلك الجزر اليونانية الـ 12 الواقعة على مقربة شديدة من السواحل التركية. وقال إنها كانت – أي الجزر – تركية حيث لا تزال الجوامع فيها. لكن رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس سيبراس ردّ بالقول: إن الدعوة لإعادة النظر باتفاقية لوزان خطيرة جدا. لم يعرف أحد حينها لماذا فتح أردوغان ملف معاهدة لوزان . إذ لا مشكلة داهمة مستجدة بين تركيا واليونان , بل إن العلاقات بينهما جيدة وأكثر من عادية , لذا فإن الأنظار بحثت عن مكان آخر لوضع تصريحات أردوغان في موقعها الصحيح .
لا شك في أن تصعيد أردوغان كان رداً على مساعي القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية الرامية إلى تفكيك دول المنطقة وتقسيمها على شكل كيانات فيدرالية تنطلق من أساس عرقي ومذهبي , الأمر الذي يهدد الأمن الاستراتيجي لدول المنطقة الرئيسية , وفي مقدمتها تركيا والسعودية , وما إيران عنها ببعيد . كما يضع المنطقة , المشتعلة بالنزاعات أصلا , في دوامة استقطابات وحروب داخلية , وفوضى (خلاقة ) لا أحد يستطيع الإمساك بخيوطها والسيطرة عليها سوى الأمريكان أنفسهم.