تسير روسيا الاتحادية التي تعد امتدادا للاتحاد السوفييتي، على نهج سلفها، دون أي تغيير في نهجه الإعلامي، حيث أنها تستخدم آلة دعايتها الكاذبة حتى اليوم، مثلما استخدمتها في حربي أوكرانيا وسوريا، حسبما تملي عليها مصالح الإدارة الروسية.
وتعد “برافدا” (صحيفة الروسية)، إحدى أهم الأدوات التي تستخدمها روسيا لإثارة عواطف الرأي العام الروسي والعالمي، منذ مرحلة الحرب الباردة، إذ باتت مضرب مثل في الأخبار الملفقة.
ووُصفت “برافدا”، في عهد الاتحاد السوفييتي، بأنها “السلاح الأكثر فعالية”، الذي استخدمه الروس في النطاق السياسي، والاقتصادي، والثقافي، وترويج أيديولوجيته لدى الشعوب وتحريضها، إبان الحرب الباردة.
والجديد هذه المرة، هو تسخير إدارة موسكو لـ”برافدا” ضد تركيا، عقب إسقاطها الطائرة الروسية التي انتهكت المجال الجوي التركي في 24 تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي، وباشر الإعلام الروسي نشر أخبار مضللة بغية السيطرة على الوعي الاجتماعي الداخلي لها، وتشويش الرأي العام الدولي إزاء الحادثة، في سعي منها لتعتيم الحقائق.
وتوقفت موسكو مؤخرا، عن نشر أخبار تنفي انتهاك طائرتها المجال الجوي التركي، عقب صدور تصريحات أمريكية ودولية أثبتت صحة ما قالته تركيا، والذي يثبت الانتهاك الصريح لروسيا للأجواء التركية، وذلك بدلائل أجهزة الرادار والتسجيلات الصوتية.
وبعد إثبات عكس ما زعمته روسيا، بدأت الأخيرة في تلفيق أخبار تنسي فضيحة أخبارها الكاذبة التي تدعي عدم انتهاك المجال الجوي، حيث نشرت قناتي “روسيا 24″، و”لايف نيوز” الروسيتين، خبرًا ومقاطع فيديو يظهر فيها “بلال”، نجل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مع أصحاب أحد مطاعم إسطنبول، وزعمت أنه يلتقي بعناصر من تنظيم “داعش”.
لكنها صعقت مرة ثانية، حينما فنّد أصحاب المطعم الرواية الروسية، ودعوا الرئيس فلاديمير بوتين، إلى تناول وليمة في مطعمهم، ليثبتوا أنهم أصحاب محلات تجارية، ولا علاقة لهم بالتنظيم “الإرهابي”.
ومن إحدى الأخبار المضللة، نسبت “وكالة سبوتنيك للأنباء” الروسية، تصريحًا كاذبًا للممثل الدائم لفرنسا في حلف شمال الأطلسي، جان باتيست ماتيي، جاء فيه “تركيا قوّضت العمليات العسكرية ضد داعش”، ما لبث أن نفاه ماتيي.
وضمن سلسسلة محاولات التضليل الإعلامي الروسية، ادعى الرئيس بوتين، أن طائرتها “سو-24″، (أسقطتها تركيا وفق قواعد الاشتباك)، كانت تحمل رموزًا تدلل على هويتها الروسية، معتبراً أن “عدم معرفة هوية الطائرة أمر غير ممكن”، إلا أن المراقبين للتطورات العسكرية الجارية في سوريا يعلمون أن روسيا تقوم بمسح جميع الرموز التي تشير إلى هوية مقاتلاتها التي تقصف المدنيين في سوريا.
واستمرارًا لذلك، زعم ثلاثة ضباط روس بأن “داعش يبيع النفط عن طريق تركيا”، ولفّقوا خريطة بهذا الصدد، حيث رسموا طريقاً مزعوماً “يبيّن سير شاحنات النفط وهي تدخل تركيا”، غير أن كذبهم انقلب عليهم، عندما زعموا أن شاحنات النفط كانت تمر من مناطق نفوذ قوات النظام السوري، و”وحدات حماية الشعب”، التابعة لـ”حزب الاتحاد الديمقراطي” السوري الكردي (امتداد منظمة بي كا كا الإرهابية في سوريا).
ومن أجل تعزيز مزاعمها، أجرت برافدا لقاءً صحفيًا مع شخص يعيش في العاصمة المصرية القاهرة، وقدّمته للمشاهدين على أنه “أحد قادة الجيش السوري الحر”، الذي اتهم بدوره تركيا بـ”شراء النفط من تنظيم داعش”.
آلة الكذب “برافدا” خلال الأزمة الأوكرانية:
تسبب الانفصاليون الروس باندلاع الأزمة الأوكرانية، ومثّل إعلام “برافدا”، أحد أهم اللاعبين على وتر تحريض الانفصاليين وتأجيج الأزمة في أوكرانيا، كما لعب دورًا هامًا في قلب الحقائق، بنشر صورًا ملفقة التقطت في مكان وزمان آخرين، بزعم أنها صور من أوكرانيا.
ومن بعض هذه الصور، صورة تلاعبت فيها برافدا، مستعينةً بخواص برنامج “فوتوشوب”(برنامج لتحرير الصور)، وادّعت فيها أن الجيش الأوكراني، استباح مدينة “دونيتسك”، وصورة أخرى اختلستها من مشرحة سجن “سيوداد خواريز” المكسيكي، وروّجتها على أنها “صورة لجثث حولهم جنود أوكرانيين، في مدينة سلافيانسك الأوكرانية”.
وفي الإطار ذاته، زعمت “وكالة ريا نوفوستي للأنباء” (إحدى أكبر وكالات الأخبار في روسيا)، في صورة نشرتها، “سرقة 180 جندي أوكراني لأعضاء 300 شخص في أوكرانيا”، واتضح لاحقاً أنها صورة التقطت في الحرب الشيشانية.
كما تحاول الإدارة الروسية، عبر ضغوطات إعلامية، إظهار أنها ما زالت تحافظ على موقعها القوي ضمن الدول الكبرى (خاصة أمام الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي) من جهة، ومن جهة أخرى تحاول إشغال الرأي العام الروسي بالمشاكل الدولية، وإلهاءه عن الأوضاع الاقتصادية المتردية جراء العقوبات الغربية على سياستها المتبعة في أوكرانيا، وخفض أسعار البترول.
وحول هذا الإطار، قال “فاسيلي غودوف”، الرئيس الأسبق لوكالة “ريا نوفوستي”، إن التلفزيون الروسي يعاود حيله المتبعة في أوكرانيا ويطبقها في سوريا الآن، موضحًا أن الإعلام يحاول تشتيت الرأي العام الروسي عن مشاكلهم الأصلية داخل البلاد.
من جانبه يقول “أندرو ويلسون” مسؤول العلاقات الخارجية في المجلس الأوروبي، إن الإعلام الروسي يهدف لشيء واحد في الكثير من الأحيان، وهو “دعم المواقف الروسية في أوكرانيا وسوريا، وخلق تشويش في الرأي العام الخارجي”.
وكانت طائرتان تركيتان من طراز “إف-16″، قد أسقطنا مقاتلة روسية من طراز “سوخوي-24″، انتهكت المجال الجوي التركي عند الحدود مع سوريا في ولاية “هطاي” (جنوب)، في 24 تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي، وذلك بموجب قواعد الاشتباك المعتمدة دوليًا، وقد وجهت المقاتلتان 10 تحذيرات للطائرة الروسية خلال 5 دقائق، قبل أن تسقطانها.
وسبق أن انتهكت طائرات حربية تابعة لروسيا، الأجواء التركية مطلع تشرين أول/أكتوبر الماضي، واعتذر المسؤولون الروس آنذاك عن ذلك، مؤكدين حرصهم على عدم تكرار مثل تلك الحوادث مستقبلًا، في حين حذّرت تركيا من أنها ستطبق قواعد الاشتباك التي تتضمن ردًا عسكريًا ضد أي انتهاك لمجالها الجوي.
المصدر: الأناضول