“أذكر أنني في مثل هذه الأيام منذ أعوام كنت في بلدي في قريتي ألعب وأمرح في العيد مع أهلي وأحبائي.. أخرج إلى الحي مع باقي الأطفال لنلعب لعبة الحرب بأسلحة ( فرد الخرز)، لم نكن نعلم أن هذه اللعبة ستتحول إلى حقيقة في بلدي والخرزة ستتحول إلى رصاصة تدمرني..”
كلمات قالها (علي) في أيام العيد وهو في أرض اللجوء بمخيم مرعش في تركيا، الذي لجأ إليه مع عائلته بعد أن فقدوا كل شيء في سوريا، لم يتبق له سوى ذكريات مرسومة على جدران بيته المهدم.
ما أثار انتباهي حقا في هذا العيد أن كل الأطفال وبالرغم من الغربة يمارسون طقوس العيد دون الاكتراث لما قد ذهب وجاء، إلا أن علي له طقوس مختلفة يمارسها مع القلم والممحاة فهو يقضي العيد رسما يجسد من خلاله صديقه أحمد وأطفال الحي .. يرسم فرحته الراحلة وابتسامات على وجوه لن تعود.
وفي حديثه لي حين سألته عن رسوماته قال لي واصفا لما قد رسم: “هنا في هذه المكان كان أحمد ينتظرني لنخرج سوية للحي، كانت الحرب بأفردة الخرز لعبتنا المفضلة، كان صديقي المقرب سرقته الحرب مني، والآن أنا وحيد بلا شريك في هذه الحرب بعد استشهاده”.
يرسم علي صورا متنوعة لذكريات دفينة في الذاكرة يخاف عليها من النسيان، في كل عيد هناك جزء مخصص له في خيمته ليعرض عليه ما قد رسم، مرددا وهو يمعن النظر فيها: ” في العيد القادم سأكون في سوريا.. سأذهب لزيارتك أحمد لأروي لك كل ما حدث في غيابك”.
ينظر للسماء تلوح في عينيه نظرة اشتياق لقريته، لصديقه لكل ما دمرته الحرب في عينيه، نظرات متبعثرة خائفة من المجهول الذي ينتظره في المخيم.
فهل يا ترى هناك عودة لحضن الوطن تنسي علي مرارة الأيام التي يقضيها .. عودة ترجع لعلي ابتسامات قد اندثرت مع خروجه لتركيا.. لربما يعود له ما قد سلب منه إلا أحمد سيبقى خالدا في رسومات علي طالما بقي علي على قيد الحياة.
مجلة الحدث- نور سالم