بعدما شرّدتهم الحرب، توزّع السوريّون على العديد من بلدان العالم، وتفرّقت آلاف العائلات. إلا أن هامش تحرّك السوريّين حول العالم ضاق، وبات صعباً بالنسبة للكثير من العائلات الالتقاء. عملياً، يعدّ اللاجئون السوريّون في أوروبا الأكثر قدرة على التحرك. إلا أن تأشيرات الدخول التي باتت مفروضة عليهم في معظم دول العالم تحول دون لقائهم بعائلاتهم، خصوصاً أن الدول العربية بمجملها، باستثناء السودان، تفرض تأشيرة دخول على السوري، وتطبّق شروطاً صعبة للغاية في حال الموافقة، على غرار السعودية ودول الخليج. أما الأردن، فقد بات دخول السوري إليه شبه مستحيل أيضاً، ويتطلب موافقة مسبقة من قبل الاستخبارات الأردنية.
وفي حين لا يفرض لبنان تأشيرة على السوريين، إلا أن الدخول إليه يتطلّب دعوة أو حجزاً مسبقاً في فندق، أو حجز بطاقة ذهاب وعودة بالنسبة للمقيمين في أوروبا. أما القادمون من سورية، فيتطلب وجودهم مبرّراً قوياً، على غرار موعد في إحدى السفارات الأوروبية. وكانت تركيا تعدّ ملجأً وحيداً للعديد من العائلات بسبب موقعها الجغرافي كحلقة وصل، وفتحها الأبواب للسوريين القادمين من أي مكان في العالم. لكن فرض تأشيرة على السوريّين منذ نحو ستة أشهر، ورفض طلبات الحصول عليها حتى للمقيمين في أوروبا، جعلها تخرج من ضمن خيارات السوريين.
ماليزيا هي الحلّ
شادي الريحاني الذي يتحدّر من مدينة إدلب، يعيش حالياً في هولندا. خاض تجربة الرحلة البحرية الصعبة من تركيا إلى اليونان أواخر العام 2014، وحصل على الإقامة المؤقّتة في هولاندا بعد انتظار دام أربعة أشهر من تاريخ وصوله. لكنّ ما لم يتوقّعه أن تفشل جميع محاولاته للقاء والديه المقيمين في مدينة إدلب حتى اللحظة. يقول لـ “العربي الجديد”: “كنت أنتظر أن تستقرّ أموري قبل لقاء والدي”. يشرح أنه حين خرج من تركيا، كانت الأمور ميسّرة لدخول السوريين من كل دول العالم. لكن منذ بداية العام 2016 وحتى الآن، تقدم بطلب فيزا إلى تركيا ثلاث مرات. في كلّ مرة، كان يرفض طلبه من دون ذكر الأسباب. من جهة أخرى، بات صعباً أو شبه مستحيل دخول والديه من سورية إلى تركيا عبر المنافذ البرية.
يتابع الريحاني أنه فكر بالتوجه إلى لبنان، لكن الرحلة قد تكون خطيرة جداً على والديه. لذلك، ألغى الفكرة حالياً، آملاً أن تعود تركيا إلى سابق عهدها فيما يتعلق بالتعامل مع السوريين.
أما روضة الريشاني، وهي لاجئة سورية تعيش حالياً في ألمانيا، فقد اضطرّ شقيقها المقيم في السعودية إلى دفع تكاليف باهظة للتوجه إلى ماليزيا، التي تقبل دخول السوريين من دون تأشيرة دخول حتى الآن. تقول لـ “العربي الجديد”: “تقطعت بنا السبل بكل معنى الكلمة. شقيقي مطلوب لدى الأمن السوري. بالتالي، فإن دخوله إلى لبنان محفوف بالمخاطر. أما تركيا، فقد أُغلقت أبوابها في وجوهنا، ورُفض طلبي للحصول على فيزا من دون ذكر السبب. لم يكن أمامنا إلا بضعة بلدان نستطيع دخولها من دون تأشيرات، وقد وقع الخيار على ماليزيا لأنها الأقلّ خطراً”.
حاول العديد من السوريّين الوصول إلى مطار بيروت من دون تأشيرة دخول، لكنّ كثيرين عادوا بالطائرة نفسها، بسبب رفض إدارة المطار دخول أي سوري إلا “لسبب مقنع”، أقله وجود حجز فندق. هذا ما حصل مع نوال عيسى المقيمة في فرنسا، والتي قرّرت الذهاب لزيارة عائلتها في بيروت. كانت قد دخلت إلى لبنان قبل سنوات عدة، لكنها منعت من الدخول في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، وعادت مباشرة من مطار بيروت إلى باريس.
بالإضافة إلى تركيا ولبنان، توقف الأردن ومصر عن استقبال السوريّين منذ مدة طويلة.
وعانت العائلات السورية المشتتة، التي يقيم أحد أفرادها في هذه الدول، بسبب تعذّر اللقاء أيضاً. في مطار عمان الدولي أيضاً، عاد العديد من السوريين إلى البلد الذي قدموا منه، بسبب رفض الأمن الأردني إدخالهم. أما حافظ شيخ يحيى، وهو سوري مقيم في مدينة 6 أكتوبر في القاهرة في مصر، فكان له محاولة سابقة وفاشلة في التهريب من الإسكندرية إلى إيطاليا، وقرر بعدها الاستقرار مع أولاده الثلاثة وزوجته في مصر.
يتوزّع أفراد العديد من العائلات السورية بين لبنان ودول الخليج وأوروبا وتركيا. وتعاني هذه العائلات من صعوبة اللقاء في أي مكان من العالم. لم تعد دول الخليج تمنح تأشيرة زيارة للسوريّين إلا في حالات نادرة، وغالباً ما تكون مكلفة للغاية. كذلك الأمر بالنسبة للسعودية. ويقول بعض السوريين إنهم ذاهبون لأداء العمرة علّهم يلتقون بعائلاتهم.
بالعودة إلى تركيا، فإنّ المشكلة الأكبر التي تواجه اللاجئين السوريين حالياً في أوروبا، الذين يعملون على لمّ شمل عائلاتهم، تتمثّل في أن العديد منهم حصلوا على موعد لإجراء المقابلة لعائلاتهم من سفارة الدولة التي يقيمون فيها في تركيا. لكنّ القرارات التركية الأخيرة بفرض تأشيرة دخول على السوريين، وإغلاق المعابر البرية بشكل شبه تام، منعت العائلات الموجودة في سورية من الحضور إلى السفارة، ما يحتم على اللاجئ تحديد موعد جديد، قد يتطلب أشهراً
أو عاماً كاملاً.
جلال الأحمد، شاب سوري من حلب، حصل على إقامة اللجوء المؤقتة في ألمانيا وبدأ تحضير أوراق لمّ شمل زوجته المقيمة حالياً في حلب. يقول لـ “العربي الجديد”: “كانت الخطوة الأولى حجز موعد من إحدى سفارات الدول المجاورة. وبما أن تركيا هي الأقرب إلى حلب، فقد حجزت موعداً للمقابلة في السفارة الألمانية في أنقرة”. يضيف: “كان ذلك قبل عشرة أشهر تقريباً، وقد تحدد الموعد في شهر أبريل/نيسان من العام الحالي. لكن قرارات تركيا الأخيرة بشأن تأشيرة الدخول للسوريين، وصعوبة بل استحالة الحصول عليها حالت دون وصول زوجتي إلى السفارة في الوقت المحدد، ما اضطرنا إلى تحديد موعد جديد في أكتوبر/تشرين الأول المقبل. حاولت الحصول على موعد في لبنان، لكن ليس هناك مواعيد قبل عام من الآن. لا حلّ غير الانتظار، وتكرار محاولة الحصول على الفيزا لزوجتي، حتى نستطيع إتمام أوراق لمّ الشمل”.
بالطبع، فإن حالة جلال الأحمد ليست فريدة. هناك المئات من السوريين العاجزين عن استقدام عائلاتهم إلى أوروبا بسبب عدم تمكن تلك العائلات من الدخول إلى تركيا لإجراء مقابلات مع السفارات المعنية بلمّ شملهم. أمرٌ دفع العديد منهم إلى اتباع وسائل التهريب الخطرة والمكلفة من سورية إلى تركيا عبر جبال اللاذقية، أو حتى التهريب إلى كردستان العراق.
ربّما يعدّ حال اللاجئين السوريين في السويد أكثر صعوبة، بعد اتّخاذ السويد قرارات جديدة تتعلق بلمّ الشمل. تقول ميادة الحلبي: “تركت ولديّ عند شقيقي في لبنان، وفضلت عدم اصطحابهما معي في مغامرة الرحلة البحرية، على أمل الحصول على الإقامة في السويد ولمّ شملهما كما يحدث عادة. لكن السويد أصدرت أخيراً مجموعة من القرارات، منها إيقاف معاملات لمّ الشمل، واشتراط الحصول على عمل أولاً قبل استقدام العائلة، ما سيجبرني على العمل في أحد معامل الأدوية، علماً أنني صيدلانية، بهدف الحصول على أي عقد عمل يجعلني قادرة على إحضار طفليّ”. تضيف: “لم أعد أملك ثمن تذكرة الطيران إلى لبنان لرؤيتهما، بالإضافة إلى صعوبة الدخول إلى لبنان في الوقت الراهن بالنسبة للسوريين”.