اليوم وقفة عرفة وما أدراك ما عرفة هو يوم الحجاج المقدس فيه تعلو التهليلات وتتهاطل البشائر من عند الله وغداً عيد المسلمين الثاني، تصدح تكبيرات العيد في سماء تركيا كما في باقي دول العالم ابتهاجاً بإطلالة عيد الأضحى المبارك أو قوربان بايرمي KURBAN BAYRAMI، كما يسميه الأتراك في لغتهم والعيد الكبير كما يسميه السوريون، يهل اليوم كما منذ خمس سنين مضت مغطساً بالحزن والأسى والدموع التي تملأ حارات الشام وتغازل عيون أطفالها.
وفي بيوت تركيا وحاراتها العتيقة والحديثة قصص العيد المدفونة وروايات تكتب لأول مرة في التاريخ أما أسواقها فتحكي حكايات السوريين وترسم معاناتهم وصور الفرح المقتولة بداخلهم.
ومن خلال نظرة إطلاعية على أسواق كركهان وأنطاكيا والريحانية واسكندرون وكيليس وغيرها من المدن التركية والقرى المكتظة باللاجئين السوريين فالمشهد مكرر والصورة واحدة..صبية صغار يتدافعون إلى الحاويات بحثاً عن النايلون العتيق أو يفتشون الزبالة أملاً بصيد ثمين قذفته إحدى ربات البيوت بقرف شديد وبعض الأسر ميسورة الحال تتجول في الأسواق بوجوه بشوشة رغبة بتأمين حاجيات العيد ونواقصهم من حلويات وسكاكر وقهوة مرة وفواكه فأولئك ضيوفهم كثر في أيام العيد وجلهم نسي ما حل به وبوطنه وجلسات أولئك لا تخلو من التنظير والتمني.
أما العائلات الفقيرة التي اختنق الفرح في بلعومها وعانت من تهديم بيوتها والتهجير وفقدان الأقرباء، فلا تقرب المحلات الفخمة وإنما تتجه نحو الأسواق الشعبية بما تحتويه من بضاعة ذات نوعية رديئة وأسعار رخيصة تسد حاجة أبنائهم من الألبسة التي لا يحلو العيد عند الأطفال بدونها، فتراهم يتلفتون يميناً وشمالاً بحثاً عن الأرخص مهما كانت نوعيته.
فاللاجئون السوريون يجتهدون طوال النهار في الأراضي الزراعية وأعمال البناء والحدادة ليكسبوا في نهاية الأسبوع ما يكاد يكفيهم لتأمين مستلزمات المعيشة اليومية فيتسوقون معظم ما يتطلبه منزلهم دون تذمر أو استياء فقط الغربة ما تحز في نفوسهم المكتوية .
وكثير من العائلات يتجولون بحسرة في الأسواق وأقدامهم بالكاد تتركان بصمة على الطريق المكدس بكل ما تشتهيه النفس الأمارة فأولئك تطاردهم ديون البقاليات وهم يطاردون الشاويش فلا تغريهم حتى الحاجات الضرورية ويشترون بما قل من الليرات خضارهم ويكتفون بما يقيتهم في النهار وبما يعينهم على الظلم والقهر والحرمان.
وفئة من السوريين من يحترم تلك الأيام الفضيلة فيصوم أيامها ويدعو في لياليها بالفرج المتأخر بانتظار عيد الأضحى الذي فقد كل معانيه إلا كونه عيد رسول الله وعيد المسلمين أجمعين.
محمد الحسين من ريف إدلب يقول :” العيد هو عيد الأطفال يلبسون الجديد ويفرحون بالأكلات الطيبة واللعب في الحارة مع الأقرباء ولذلك قمت بشراء كل ما يحتاجه أفراد أسرتي من ملابس وطعام وفواكه وخضار رغم أني صرفت كثيراً ولكني والحمد لله أشتغل باليومية وكل وما أقبضه أصرفه على عائلتي ولا أوفر قرشاً واحداً”.
مضيفاً:” وفي الأيام العادية نشتري حاجاتنا اليومية من خضار وفواكه وحليب أطفال وغيرها من مستلزمات الحياة رغم أننا أحياناً نشتري ما ساءت نوعيته ورخص ثمنه.”
أما حسين العبد الله من ريف حماة يقول :” تعودنا في كل عيد أضحى أن نطلق عليه عيد اللحم فهو مخصص للأضاحي وليس للباس أو الطعام فالكل مشغول في الحديث عن الأضاحي لذلك تسوقنا الخضار وبعض الفواكه وما ينقصني في تلك الأيام التي تغلق فيها معظم المحلات والأسواق.”
ويرى رياض بأن السوريين في تركيا يعيشون حياتهم لكن بنفس الوقت ينتظرون الفرج من الله وحل الأزمة يشغلنا وسنكون من أوائل المغادرين من تركيا فور انتهاء الأزمة.
ما هي إلا ساعات معدودات وتطلق المآذن أعذب وأروع الكلمات الله أكبر الله أكبر الله أكبر والمشاعر ترتفع إلى السماء السابعة مرتعشة، فاللاجئون السوريون يعيشون حياتهم وألسنتهم تلهج بالدعاء وممزوجة بالأمل على درب العودة إلى ديارهم فالمناسبة لها خصوصية في توطيد أواصر التكافل الاجتماعي من خلال الصدقات التي تخصص للعائلات المحرومة والهدايا بين الأقارب عل وعسى أن تتحقق الأخوة بأسمى معانيها.
صهيب مفوض الابراهيم – المركز الصحفي السوري