لأول مرةٍ يخرجُ كومبارس التصفيق عن نسقِ المتحدث، فلأن “الكومبارس” اعتاد على التصفيق الأعمى، مغمضاَ عينيه، فارغاَ فاه، في نشوة هيستيرية، يلصقُ الكفَّ بالكف اصطهاجا بكل كلمةٍ وحرفٍ تخرجُ من فم الأسد المنحوت بالبوتكس، كأنها نازلةٌ كالوحي من السماء، لا يشوبُها تحريفٌ، ولا باطل، ويخرج نيرون سوريا ” ليصحح مسارَ التصفيقة” للجمهور!
فنانون وممثلون، يبتسمون وهم قادمون لمشاهدة ما سيقدمُه ممثلٌ -بشار الأسد- نُحت وجهه بالبوتكس، يضع قناعا قبوريا، يؤدي دورَه كفصلٍ من مسرحية آل الأسد ذاتِ الفصول المتعددة، جامعةً بين الكوميديا السوداء، والتراجيديا، يشهدُ هذا الفصلَ فنانون كثر، منهم دريد لحام أو كما يسمي نفسه سابقا “صرماية الوطن”، وشبيه الراحل سليم كلاس، علي أصلان المكرمُ مؤخرا من الأسد، الذي سخر منه نشطاء قائلين: إن روحَ كلاس حضرت الخطاب، لأن الأسد لا يستخدم فقط بطاقاتِ الأموات في انتخاباته، بل ويستجلبُ أرواحَهم في خطاباته.
بعد كل جملةِ تصدي وصمودٍ تخرجُ من فم الأسدِ التي تنزل على مسامعِ الحاضرين، ويتلقونها باصطهاج وتصفيق، خانت أيديهم هذه المرة الدور المنوط بها، ليصححَ لهم بطلُ المسرحية ” الهيرو” أنه في هذه العبارةِ لا داعي للتصفيقِ عند ذكر ” الأمريكان والأتراك”،
لكن الجمهورَ لم يعتد التدقيقَ أو يجرؤ على الاعتراض على نصوصِ المسرحية، فهي مقدسة، وصحيحة، والتصفيقُ هو
ردة الفعل الطبيعية لأي عبارةٍ، أو سكوت مقصود، ومع ابتسامة، كما يقول ياسر العظمة في مراياه.
كان امبراطور روما ” نيرون” عاشقا للظهور، والتمثيل، ويلعب أدوارا عدة، كدور أوديب، أو هرقل، دون أن يفقدَ مكانته كامبراطور. يستخدم الخيالَ والتصوير كقناع له بدلا من استخدامِ الأسلوب الشخصي. والمسرح شمعي والقناعُ كذلك، يتطابقُ مع وجه صاحبِه، فلا تنكر أو اختفاء، فيستخدم القناعَ المتطابقَ مع وجهه ويعطي لباقي الممثلين معه قناع متطابق مع وجهه، فيظهر وكأنه يؤدي المسرحية كلها رغم تعدد الممثلين معه على الخشبة.
إلا أن بشارُ الأسد لم يملك إلا قناعا واحدا، فهو يؤدي المسرحيةَ كلها، ثابتُ الملامح، ذو سلطة دائمة مهيمنة، لم يكن قناعُه شمعيا يصلح لكل وجه، بل كان شخصيا، ثابتا جامدا، فهو المؤدي الوحيد في مسرح القصر الجمهوري، يجتاز الزمن. فظهر في القصر شبيه الممثل سليم كلاس، علي أصلان، وكأنَّ الأسد أحيا الأموات لحضور قسمِه، كما يفعل مع بطاقات الأمواتِ ويستخدمها لانتخابه. اجتاز قناعه القبورَ والأموات ليحضرَهم لخطابه.
يبدو أن الجمهورَ عند الأسد ونيرون متشابهُ نوعا ما، تؤدي وجوهَهم دورا في منح الاعتراف السياسي والفني للمثل على المسرحِ، فضربُ الكفين بحرارةٍ، بفم مفتوح لأقصاه، وعينين تبرقان تأييدا للأداء وصاحبه، قد تظهر علاقة الجمهور مع المؤدي” الأسد”!
نيرون الامبراطور اليوناني المغرق في الفساد والمجون، والظلم والطغيان الذي وصل حدَّ أن قتل أمه، ومعلمه “سينيك” وقتل زوجته وأخاه، وقتل المساجين وعذبهم واغتالهم بدم بارد، وأحرق روما وجلس يستمتع في قصره باحتساء النبيذ، وروما تلتهما النيران والناس يحترقون، ليعلن أن الحريق مؤامرة مدبرة نفذها مندسون، ألصقها بالمسيحيين!
ثم مات نيرون حقيرا ذليلا، بعد أن اشتعلت عليه الثورات.
فهل تشابه الأسد مع نيرون روما؟
مقال رأي
محمد إسماعيل
المركز الصحفي السوري