في ظل حكم الملالي أصيب المجتمع الإيراني بعدة أمراض مستعصية: منها قلة التعاطف مع نوع من المسخ الاجتماعي، إذ يرى الجماهير المشاهد المؤلمة والمروعة من الإعدامات والتعذيب والفقر والإدمان دون انفعال أو في حده الأدنى.. ولا نخطئ في هذا الوصف، لكن سبب ذلك ليس من طبيعة الشعب الإيراني ولا ينبعث من تاريخه العريق وإنما حصيلة 4 عقود من الحكم الدكتاتوري و تبديل الإعدام والقتل والفقر من كونه أمرا مستنكرا ليصبح جزءا لا ينفك من العيش الإيراني، حيث يصبح أمرا روتينا للمواطن، ويرى في توجهه الى محل عمله أو السوق أو المدرسة والجامعة مشهد إعدامات بالكرين، أو ضرب سوط على مسكين في الشارع، أو العايشين في الكراتين من الفقر، أو مشاهد الإدمان الموحش و…. في جانب آخر بروج مشيدة لأبناء رموز الحكومة ومخالب الحرس الثوري على مقاليد السلطة الاقتصادية، فضلا عن الخنق الشديد حيث لا يتجرأ أحد على الاعتراض خوفا من إصابته بمصير ما شاهد آنفا.
في هذا المجال لفت انتباهي ما كتب أحد الكتاب مجيد محمدي المنشور من قبل إذاعة الغد الأمريكي كما يلي:
تفرج الشعب الطهراني إلى مشاهد القتل في الزقاق والشوارع، تجمع الآلاف من الجمهور الإيرانيين في مشاهد شنق في الشوارع والميادين، عدم الانفعال إزاء ضرب النساء مع تجريح وجوههن تحت يافطة سوء التحجب – على حد تعبير الحكومة – وبيد عناصر قوات الأمن والباسيج، ينظرون دون انفعال على مشهد حرق النفس للبائعين الطوافين بالشوارع، المضي في الطرقات رغم وجود الجثث المجمدة في الشوارع بدم بارد، وعشرات الأمثلة الأخرى يدلنا على حدث جاد في المجتمع الإيراني.
في عقود الستينات والسبعينات لم يكن متصورا مثل هذه السلوك. هذه اللامبالاة بجانب عدم أي فعالية من قبل المواطن في مؤسسة خيرية يدل على موت تدريجي للتعاطف في هذا المجتمع.. في الحقيقة بقاء كل مجتمع مستمرا في صيانة النفس والتعاطف مع الآخرين متزامنا ومتوازيا. كما سيطر الإنسان على الأغذية عامةً في المعمورة يعود الى التعاون بين أفراد الإنسان، إلا أن 4 عقود من القمع والعنف الحكومي الناجم من مجيء الملالي إلى سدة الحكم وسلطات ميليشياوية أرغم الناس الى التمركز على صيانة نفسهم بدلاً من التعاون والتعاطف وعدم التوجه الى الآخرين لأن المشاركة في حل العنف والقساوة يسبب قبض المشارك ويجعله ضحية له.
كما يأتي في هذا المجال عدم رغبة الناس الى الخيرية وعدم انفاق المال للمحتاجين، حيث نرى دخلا قليلا في كل صندوق التبرعات معادل 2000 تومان (ما يقارب بنصف دولار) في كل شهر. (إضافة إلى عدم ثقة الناس بهذه الصناديق كونها حكومية ولا محالة ستكون في جيوب الحكوميين). نعم في الوقت الذي على خامنئي ويتملك مئات ميليار الدولارات من النقود وعشرات ميليار الدولارات عن مداخل السلطات التابعة له، ينفق 20 مليون تومان فقط للفقراء المحرومين أو يهدي 20 مليون تومان فقط للمحرومين في عيد نوروز.. كيف يمكن التوقع بما سيفعله الآخرون وإلى متى سيستمر صبرهم على فقرهم السافر؟ ناهيك عن عدم حضور أحد من الملالي في الفعاليات الخيرية! (وهذا يعود الى طبيعتهم الخسيسة واللئيمة من شدة حرصهم على صيانة نفسهم ومنافعهم الشخصية).
في مثل هذه الظروف تشكيل ”جدار العطوفة” (عمل تطوعي من قبل جمهور إيراني في مختلف المدن وبغية مساعدة المحرومين بإهداء تطوعي لباس أو شيء معلقا على الجدار في نقطة ما) يعتبر علامة المرض ولا العلاج وعمق المشكلة يكون على حد الذي تبادل الملابس القديمة يشبه بصب قطرات ماء لإحياء بحيرة في تقترب من الجفاف مثل بحيرة الأرومية ولم يبق للشعب الايراني إلا العمل الجذري، وهو توحيد الصفوف لاجتثاث هذه الشجرة الخبيثة من جذرها وهذا ليس ببعيد.
المركز الصحفي السوري – زهير أحمد