ثمة مقاربة تحليلية تقول أن الهدوء الملتبس الذي تعيشه العلاقة التركية – الإيرانية، والمصالحة المُقيَّدة التي تمّتْ قبل أشهر بين أنقرة وموسكو، سيكون مصير كلٍّ منهما إلى التفكك والاضطراب في حال استمرت استراتيجية عزل تركيا عن التأثير في شمال العراق وشرق سورية.
مظاهر هذا العزل ومؤشراته قد تتمظهر في تحرك «الحشد الشعبي» صوب تلعفر التركمانية، وهو الذي يقول أن مسعاه سيكون الحيلولة دون هروب «داعش» من الموصل باتجاه سورية والرقة، فيما تذهب تكهنات بأن الهدف المستتر لـ»الحشد» هو تأمين طريق بين سورية وإيران عبر العراق. وإذا صحّت الأنباء عن أن الدعم الإيراني للميليشيات الموالية لطهران في تلعفر صار يشمل «حزب العمّال الكردستاني»، فإن هذا يغذي مقاربة عزل تركيا، التي أعلن وزير دفاعها، فكري إشيق، أن (بلاده ليست في وارد الانتظار وراء حدودها مع العراق، وستفعل كل ما هو ضروري إذا أصبح لمقاتلي «حزب العمال الكردستاني» وجود في منطقة سنجار). وسيبقى السؤال حاضراً في الفترة المقبلة عن سلّة الخيارات المتاحة أمام تركيا لتأمين ما تراه «خطوطاً حُمراً» في العراق وسورية.
ومثلما يتمّ ابتزاز أميركا التي تقود عملية الموصل من خلال إقحام الميليشيات الشيعية في المعركة، وتجاوز ما اتفق عليه بالنسبة الى المحور الغربي للموصل الممتد باتجاه الرقة السورية، يتمّ ابتزاز تركيا بالميليشيات نفسها، إضافة إلى تقديم الدعم الإيراني لـ «وحدات الشعب الكردية» في أرياف حلب، لتكون أنقرة أمام معضلتين: احتمالات خسارة أو تهديد ما أنجزته عملية «درع الفرات»، وضياع قيمة التنازلات التي قدمتها أنقرة لموسكو في حلب حينما بدأت بتلك العملية، إثر الاعتذار الشهير الذي قدّمه الرئيس رجب طيب أردوغان لنظيره الروسي فلاديمير بوتين.
سياسة العزل تقتضي تكرار الاتهام من جانب موسكو وطهران ودمشق بأن أميركا وتركيا تتلكآن في مواجهة الإرهاب حين تترددان في التعاون مع مطالب موسكو بفصل الفصائل المعتدلة عن الفصائل المتطرفة في حلب، ومن هنا مواصلة الابتزاز لتبرير العنف المفرط و»الأرض المحروقة» اللذين تقودهما موسكو وطهران والنظام السوري في حلب، ومواصلة استراتيجية إفراغ شرق حلب من السكان، وهو ما يصبّ في مصلحة الاستراتيجيتين الإيرانية والروسية اللتين تقاومان سياسة الاستنزاف الأميركية لهما بضرب منهج «إدارة التوازنات»، الذي تحاول واشنطن ممارسته في الموصل والرقة، وسيتحقق هذا الضرب في حال تبيّن من إدارة المعارك في الأيام المقبلة، أنّ ثمة قراراً روسياً – إيرانياً بالسيطرة على كامل حلب قبل مجيء إدارة أميركية جديدة.
وعلى رغم تحذيرات تركيا من محاولة عزل تأثيرها وتأمين مصالحها في شمال العراق وشرق سورية، فإن موسكو وطهران والميليشيات الشيعية لم تختبر بما فيه الكفاية جدية ميدانية عالية من جانب أنقرة في الإصرار على موقفها الهادف إلى منع العزل مهما كانت كلفة ذلك، ولا يبدو التحالف مع أثيل النجيفي وأسامة النجيفي مؤثراً وكافياً في هذا السياق، وهو ما قد يفتح المجال للتكهن بأن اختبارات من هذا النوع قد تشهدها المنطقة، إذا لم تتقدم «التسويات» و»حفظ ماء الوجه» على صوت الرصاص والمقاتلات وكسر العظم من الأطراف المتصارعة.
الحياة اللندنية