خمس سنوات دامية من الحرب، عصفت الأرواح ونالت البلد ما نالته من الظلم والقهر والاستبداد، ولا تزال المرأة السورية من يدفع ضريبة الحرب لأنها انخرطت بأحداثها وأثرت ع حياتها فبعيداً عن القتل والموت والاعتقال، عاشت الأم فقد ابنها قطعة روحها.
شن النظام وحلفاؤه الروس هجمة فريدة من نوعها على مدينة إدلب المكتظة بالمدنيين بتاريخ 21 يوليو/تموز، راح ضحيتها عشرات الشهداء ومئات الجرحى، فلم يبق منطقة إلا وأصابها الضرر، وحالة من الخوف والهلع أصابت المدنيين، وبيوت دمرت بأكملها ومحال حرقت ومساجد هدمت.
مشاهد مؤلمة لمجزرة محافظة إدلب إثر الغارات على أحيائها السكنية، فنالت يد الغدر من سكانها ومساجدها، ليذهب من في المسجد للقاء ربه شهيداً، ناهيك عن الأطفال الذين أصبحوا تحت الأنقاض، ودماؤهم الطاهرة ملأت ركام منازلهم، وأناس هربوا من الموت إلى موت محتوم، فالغارات لم تتوقف والقصف الهمجي لا يفرق بين طفل أو رجل ولا منزل أو أخر.
في المشفى ومن غرفة العناية المشددة أم محمد كغيرها من النساء اللواتي هرعوا إلى المشافي للاطمئنان على فلذات كبدهم، فتصدم بوفاة ابنها الذي خرج لأداء الصلاة، ليعود لها شهيداً جميلاً، و “محمد” من المعروفين بمواظبته على الصلاة بوقتها في الجامع القريب من منزله.
“قلتلو لا تروح الله يوفقك بلش الطيران يقصفنا خليك صلي بالبيت، قلي لا، غير الي كاتبو ربك ما بصير، وراح وأخد قلبي معو”، هذا ما رددته أم محمد وهي تذرف بدل الدموع دماً من شدة حزنها على ابنها.
ساعة الفراق طرقت بابها، أمسكت أم محمد يد ابنها وهي تردد “لا تاخدوا الله يوفقكن تركولي ياه لسا ما شبعت منو هاد الغالي عريس عريس ما تهنى يا قلب أمك”، هذه الكلمات صرخت بها أم محمد ليدق صوتها عنان السماء.
تناثرت الأشلاء هنا وهناك وصراخ الأطفال تعالى وأنين الأمهات بات بلا جدوى، وبينما أم محمد تبكي ولدها، وإذ بطفل صغير لم يتجاوز السنتين أصابته يد الغدر خمس إصابات، ليعود للحياة بابتسامة ارتسمت ع وجهه رغم الألم والخوف ليبعث رسالة دون أن يتكلم ويقول بضحكته البريئة والجميع ينظر إليه “لا تحزنوا إن الله معنا”.
“عريس عريس بالجنة صوروه صوروه بدي شوفو حرقتلي قلبي يا أمي”، تصرخ متوسلة بمن حولها “شوفوه موعريس خدني لعندك يا ابني بدي محل معك بالجنة”، بينما كانت تزرع مئات القبلات على جبينه تقول كل هذا الكلام وتذرف الدموع التي أبكت كل من شاهدها.
هذا كان رثاء أم لولدها نالته يد الطغيان بمساجد الله التي كان لها النصيب الوافر من الهجمات على مدينة إدلب التي تباد بكل معاني الكلمة فلك الله يا إدلب، وحمى الله ساكنيها، فأم محمد حالة من بين آلاف الحالات التي تعانيها الأمهات في سوريا.
المركز الصحفي السوري – رشا مرهف