اختار مهربو البشر موقع فيسبوك كوسيلة للإعلان عن عروضهم الخاصة بالمهاجرين اليائسين للمرور عبر البحر المتوسط إلى أوروبا وهو دليل إضافي على أن التجارة بالبشر أصبحت تجارة مربحة تدر مليارات اليوروات.
اتخذت تجارة تهريب المهاجرين سواء من أفريقيا أو من دول الشرق الأوسط، التي مزقتها النزاعات، منحى جديدا بوجود إعلانات عن توفير خدمات الهجرة غير الشرعية عبر صفحات موقع فيسبوك.
ويتنافس المهربون في الإعلان عن عروض تفاضلية للراغبين في الوصول إلى أوروبا عن طريق ليبيا أو تركيا.
يذكر أن أكثر من 1200 مهاجر لقوا حتفهم في البحر الأبيض المتوسط عقب غرق قواربهم قبالة السواحل الليبية، خلال الأسبوع الماضي، ليصل عدد القتلى في البحر هذا العام إلى حوالي 2000 قتيل على الأقل، وهو ضعف أعداد القتلى عام 2014 ويُعد الأكبر في تاريخ النزوح الجماعي وفق تقديرات الأمم المتحدة. وبالبحث على موقع فيسبوك، تبين وجود كثير من الصفحات.
وفي مجموعة مغلقة تقدم نصائح للمهاجرين، أعلن شخص سوري يعيش في تركيا، يستخدم اسما مستعارا “أبو معاذ”، عن عبور قارب مطاطي إلى اليونان، في رحلة تستغرق ساعة ونصف الساعة، وتبلغ تكلفتها 950 دولارا لكل شخص، مشيرا إلى أن المهتمين بالهجرة يمكنهم التحدث إليه عبر تطبيقي واتسآب أو فايبر على أرقامه المدونة على الموقع.
ونقلت صحيفة فايننشال تايمز عن أبو معاذ الذي قال إنه كان بحارا، أن عمله كان نادرا خلال الفترة الماضية، وتعود ملكية القارب الذي يستخدمه -وهو من نوع زودياك وأرضيته من “الفيبر جلاس”- إلى أتراك وسوريين، ويبحر القارب من الساحل التركي في مكان ما بين مدينتي بودروم وأزمير.
وأضاف أبو معاذ “إنها عملية تهريب، ليس أكثر ولا أقل”، لكنه أكد على أنه –على عكس المهربين الآخرين– يسافر مع المهاجرين لضمان وصولهم إلى وجهتهم. وذكر أبو معاذ أيضا أنه لا يقبل سفر النساء والأطفال، لأنهم “يربكون الجميع”. أبو معاذ، يصف زملاءه، الذين يحشرون المهاجرين في قوارب بأنهم مجرمون ولا تتوفر لديهم معايير سلامة”.
بالمقابل يقبل الكثير من المهربين الآخرين سفر الأطفال، حيث تقدم صفحة أخرى على فيسبوك تدعى “الهجرة من ليبيا إلى إيطاليا” خدمات تصفها بـ“المريحة والمضمونة لجميع المسافرين”، دون التطرق إلى مئات الغارقين في المتوسط الأسبوع الماضي.
وتكتب هذه الصفحة منشورات تحث المسافرين على الحضور بميناء زوارة الليبي، الذي ينتظر فيه العديد من القوارب، في يوم معين، وتعرض السعر ألف دولار للشخص الواحد، و500 دولار للطفل تحت سن 10 سنوات، أما اﻷطفال الرضع فمجانا.
ويسأل المعلقون عن التفاصيل بخصوص أوقات المغادرة والوصول، فيما سأل أحدهم ساخرا “هل وصلت الرحلة التي انطلقت قبل هذه؟”، ليتلقى الإجابة “حمدا لله وصلت”. لكن المثير هو نشر المسؤولين عن الصفحات أرقامهم عبر تطبيقات واتسآب والفايبر لمزيد من التفاصيل.
وأغلق فيسبوك أمس هذه الصفحة بعد حملة تبليغات وكان متابعو الصفحة يقدرون بالآلاف. كما تنشط على فيسبوك صفحة أخرى بعنوان “نُهَرِبُكم بإذن الله إلى أوروبا”. وحددت الصفحة أسعار السفر إلى اليونان وإيطاليا برا عبر تركيا بـ1300 يورو، وإلى إيطاليا بحرا عن طريق ليبيا بـ3000 يورو ومن الجزائر إلى إيطاليا 3500 دولار .
وتتيح الصفحة المجهولة خيار الدفع بعد السفر غير الشرعي إذ تقول “توجد لدينا رحلات من تركيا إلى إيطاليا عن طريق مركب اسمه الجرافة، والدفع بعد الوصول عن طريق مكتب السعيد.. مع تحيات الحاج أبو فهد”.
وتم تدشين الصفحة في 10 أغسطس الماضي ، بعدما قام مجهولون – بحسب الصفحة– باختراق الصفحة الأولى. وجاء في الصفحة “إلى كل الزبائن الكرام السوريين والفلسطينيين والمصريين والعراقيين والهنود، لقد تم تهكير صفحتنا السابقة والتي كان اسمها تهريب الأشخاص إلى كل دول العالم والآن بعون الله تم افتتاح هذه الصفحة لمساعدتكم على طلباتكم للسفر إلى أوروبا وباقي الدول بحرا وجوا وبرا. وسنعلمكم برحلاتنا عن طريق هذه الصفحة”. ويقول موقع فيسبوك إنه يحذف المحتوى المخالف عند إبلاغه.
وأوضح “من المخالف لمعايير فيسبوك نشر محتوى من شأنه تنسيق تهريب الأشخاص، وسيزال هذا المحتوى عند الإبلاغ عنه، ونحن نشجع الأشخاص على استخدام روابط الإبلاغ الموجودة على موقعنا حتى يتمكن فريق خبرائنا مراجعة المحتوى”.
من جانب آخر انتشرت صفحات أخرى على غرار “فضح مهربي البشر والقصاص منهم”، تنتقد الوقاحة والجرأة التي وصل إليها مهربو البشر. واستطاع المهربون تحويل إرسال اللاجئين اليائسين عبر البحر المتوسط إلى تجارة تدر مليارات اليوروات.
ووفقا لمسؤولين أوروبيين فإن عصابات التهريب تستخدم مواقع الانترنت للتعقب البحري من أجل تحديد موقع السفن العسكرية والمدنية في البحر المتوسط، اعتمادا على السفن التي تنقذ الزوارق التي تغصّ بمئات اللاجئين في عرض البحر.
وقالت ايوا مونكوري، المتحدثة باسم وكالة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الحدود “فرونتيكس”، “هناك صفحات على فيسبوك تعلن عن الخدمات التي يقدمها المهربون. هم يستخدمون كافة الوسائل الرقمية بما في ذلك شبكات التواصل الاجتماعي من أجل توسيع عملياتهم. لقد أصبحوا منظمين بشكل جيد للغاية ويتأقلمون مع مختلف المواقف”.
ويعد استخدام المهربين للتكنولوجيا الحديثة بغية توسيع تجارتهم، تباينا صارخا مع الظروف على متن الزوارق التي تقل عددا كبيرا من المهاجرين الأشد فقرا أو الهاربين من جحيم الحرب كالسوريين، وتذكّر بصور تجارة العبيد.
صحيفة العرب