كانت تلك انتخابات لم يختر فيها الناخبون الأمريكان من يريدونه رئيسا، لكنهم اختاروا من يكرهونه بدرجة أقل، فانتصر دونالد ترامب على هيلاري كلينتون على الرغم من كل الدعم الذي تلقته من المؤسسة الحاكمة ووسائل الإعلام.
انتُخب ترامب الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة في الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني، ولم يكن لتصريحاته البغيضة عن المسلمين والسود واللاتينيين والنساء تأثير سلبي حاسم، بل على العكس كان لها تأثير إيجابي على البيض وغير المتعلمين والمتعطلين عن العمل.
سيكون ترامب أيضا أول رئيس جمهوري منذ عام 1928 يتمتع بالدعم الكامل من الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ، الأمر الذي سيمنحه اليد العليا لا في السياسة الداخلية فحسب، ولكن في السياسة العالمية أيضا بوصفه القائد الأعلى الجديد للقوات المسلحة. وسيرغب في إثبات شعار حملته الانتخابية ” جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”.
تعرض الرئيس باراك أوباما لانتقادات حتى من قبل المرشحة الديمقراطية الخاسرة هيلاري كلينتون بسبب سياسته المغرقة في السلمية في الشرق الأوسط، ووجهت الاتهامات لتوجه أوباما في العراق وسوريا بأنه السبب في تنامي الدولة الإسلامية في العراق والشام” داعش”, وقد أدى تأخر أوباما في التدخل في الحرب الأهلية السورية، وتردده في إرسال قوات إلى هناك- بسبب سياسته في عدم إرسال قوات برية- إلى أن يتعاون في النهاية مع وحدات حماية الشعب الكردية الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني الذي تعده تركيا حليفة الولايات المتحدة وحلف الناتو مجموعة إرهابية، ويخوض الحزب حملة مسلحة ضد تركيا على مدى العقود الثلاثة الماضية.
الخلاف حول وحدات حماية الشعب هو إحدى مشكلتين رئيستين بين واشنطن وأنقرة في الوقت الراهن؛ حيث تريد تركيا إنهاء دعم الولايات المتحدة وتورديها للسلاح للوحدات الكرديةـ، وتقول إنها مستعدة لمزيد من التعاون ضد داعش في سوريا والعراق.
المشكلة الثانية هي قضية الداعية فتح الله غولن الذي يعيش في بنسلفانيا، الحليف السابق للرئيس، رجب طيب أردوغان، وحزب العدالة والتنمية، وتتهمه الحكومة والمعارضة معا بتدبير محاولة الانقلاب العسكري الدموي في الخامس عشر من يوليو/تموز.
تريد أنقرة تسليم غولن أو على الأقل احتجازه ( على أساس اتفاق قانوني سابق بين البلدين) وذلك لمنعه من إعطاء التعليمات لشبكته السرية في تركيا وفي أماكن أخرى. وبعد زيارة وزير العدل التركي، بكير بوزداغ، الأخيرة لواشنطن وتقديمه ملفات إدانة غولن، قال مسؤول أمريكي لم يكشف عن اسمه لوسائل الإعلام: إن شبكة غولن تبدو أقرب لمنظمة إجرامية لغسيل الأموال منها إلى جماعة دينية صالحة.
قضية غولن قضية بالغة الأهمية بالنسبة إلى أنقرة، إلى حد أن رئيس الوزراء بن على يلديريم أشار في رسالة التهنئة التي بعث بها إلى ترامب إلى هذه القضية بوصفها اختبارا لتحسين العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة على المدى الطويل.
من الممكن أن يتخذ ترامب الذي استجوب كلينتون مرة واحدة بسبب التبرعات التي تلقتها من غولن، إجراءات قاونية ضد غولن، هذا إن لم يسلمه ( وهي مسألة تخضع لإجراءت معقدة في المحكمة)
أما عن سوريا والعراق وحزب العمال الكردستاني، فقد بدأت بالفعل الدبلوماسية العسكرية بين تركيا والولايات المتحدة بعد اجتماع أنقرة في الخامس من نوفمبر بين رئيسي أركان البلدين. ومن المرجح أن يتبع ترامب سياسات متشددة في وقت تشتد فيه خلافاته مع حلف الناتو، ويحاول عقد صفقة مع أردوغان حول سوريا والعراق وقضية حزب العمال الكردستاني/ وحدات حماية الشعب.
إن تم التعامل مع قضايا غولن ووحدات حماية الشعب، فإن التوتر الحالي في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة قد يتحول إلى مزيد من التعاون في المسائل الإقليمية في عهد الرئيس ترامب.
ترك برس