تتعقّد الأمور أكثر فأكثر في ما يتعلق بانعقاد مؤتمر أستانة، الذي سيجمع فصائل سورية مسلحة مع النظام، لعدة عوامل يتداخل فيها المحلي مع الإقليمي والدولي.
ودخل وقف لإطلاق النار في سوريا حيز التنفيذ في 30 من ديسمبر الماضي بموجب اتفاق روسي تركي يمثل خطوة تمهيدية لمباحثات سورية-سورية في العاصمة الكازاخستانية أستانة.
وبدا واضحا أن هناك ارتباكا روسيا في تحديد موعد المباحثات التي يُعلق عليها آمال كبيرة لإنهاء نزاع دموي دام ست سنوات وأدى إلى سقوط مئات الآلاف من القتلى، فضلا عن تشريد الملايين من النازحين.
وأعلن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، الخميس، أنه لم يتم بعد تحديد أي موعد رسمي للمؤتمر المذكور.
وفي المقابل أكدت ماريا زاخاروفا، الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، أنه تم تحديد 23 يناير الحالي كموعد للمؤتمر.
وقالت زاخاروفا خلال مؤتمر صحافي الخميس، إنه لم يطرح أحد أي موعد بديل لهذه المفاوضات حتى الآن، مضيفة أن موسكو تنطلق من أن اللقاء، سيعقد في الـ23 من الشهر الجاري.
وأضافت “نأمل في أن يعطي اللقاء دفعة قوية للعمل البناء من قبل كافة الأطراف لاستئناف العملية السياسية بجنيف، 8 فبراير، المقبل تحت رعاية الأمم المتحدة وعلى أساس القرار الدولي رقم 2254”.
ومعلوم أن لقاء أستانة مخصص أساسا للجوانب العسكرية خاصة في ما يتعلق بتثبيت وقف إطلاق النار، فيما يعقد بعده اجتماع في جنيف برعاية الأمم المتحدة لتدارس سبل التسوية السياسية.
ودعت الدبلوماسية الروسية جميع الشركاء الدوليين إلى المساهمة في إنجاح هذه الجهود، ولكن هذه الدعوات تبدو بعيدة عن الواقع في ظل الخلافات المستجدة على أكثر من محور ونقطة.
ففيما يتعلق بأطراف المعارضة المدعوة، التي تنحصر في فصائل مسلحة مدعومة أساسا من تركيا، فإنها ترفض الانخراط في عملية أستانة قبل أن يتم إجبار النظام على وقف الخروقات التي يرتكبها في أكثر من منطقة سورية وبالأخص في ريف دمشق.
ويحاول الجانب التركي إقناع الفصائل في اجتماعات جارية على الأراضي التركية بالمشاركة، وسط تسريبات تؤكد وجود ضغوط شديدة يمارسها المسؤولون الأتراك على تلك الفصائل لإعلان انخراطها في العملية السياسية.
ومعلوم أن الاتفاق التركي الروسي ينص على أن تكون أنقرة الطرف الضامن لجهة المعارضة، فيما يضمن الجانب الروسي أن يلتزم النظام بالخطوات المعلنة.
ومن بين الفصائل المعارضة المدعوة جيش الإسلام، وجيش العزة، وحركة تحرير الوطن، وأجناد الشام، والجبهة الشامية، والفرقتان الساحلية الأولى والثانية، وكتائب أجناد الشام، وحركة أحرار الشام، وجيش التحرير، وجبهة أهل الشام، وغرفة عمليات حلب، وجيش إدلب الحر، وفرقة السلطان مراد، ولواء شهداء الإسلام، وجيش النصر.
ويتمسك المدعوون بضرورة إنهاء الخروقات خاصة على جبهة وادي بردى، كما يطالبون بضرورة أن يتم توسيع دائرة وقف إطلاق النار لتشمل كل المناطق المحاصرة وكذلك الجنوب السوري.
وأعلن الموفد الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، الخميس، أنه من المقرر عقد اجتماعين في أنقرة وموسكو على أمل تسوية أزمة المياه في دمشق، معبرا عن خشيته من “تصعيد عسكري”، الأمر الذي قد يؤثر على المباحثات المرتقبة.
ويزود وادي بردى العاصمة السورية بمياه الشرب، لكن تدمير عدد كبير من الأقنية بسب المعارك حرم الملايين من المياه.
وقال دي ميستورا إن “المعلومات التي نملكها تفيد بأن خمس قرى في منطقة الوادي توصلت إلى اتفاق مع الحكومة وهذا نبأ سار”.
وأضاف “لكنْ قريتان، وخصوصا حيث يقع النبع، لم تتوصلا إلى اتفاق حاليا. هناك خطر، خطر ممكن، خطر وشيك على أن يؤدي إلى تصعيد عسكري”.
وكانت الحكومة السورية قد أعلنت، الأربعاء، أنها توصلت إلى اتفاق يمهد لدخول الجيش إلى المنطقة المتمردة بالقرب من دمشق، لإصلاح الأعطاب وتزويد العاصمة بالمياه، لكن الاشتباكات سرعان ما تجددت بين الطرفين.
ولا ينحصر مطلب الفصائل فقط على مسألة وقف إطلاق النار بل تطالب أيضا بضرورة وجود مشرفين دوليين على خطوط التماس، الأمر الذي يلقى رفضا من قبل النظام وداعمته إيران.
وتقول بعض الأوساط إن هناك جهات خارجية تحاول التأثير على بعض الفصائل المدعوة، لجهة عدم الذهاب إلى أستانة، وهو ما كذبه البعض الآخر.
المطبات الموجودة على طريق أستانة لا تقف عند هذا الجانب، فهناك أطراف رئيسة في المعارضة محسوبة على جهات دولية وإقليمية مثل فرنسا والسعودية وقطر تمت إزاحتها من المشهد، على غرار الهيئة العليا للمفاوضات التي كانت في أحد الأوقات الممثل الرسمي للمعارضة بشقيها السياسي والعسكري.
وأعرب الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، الخميس، عن أمله في أن تشمل المفاوضات حول سوريا “كل الأطراف المعنية” بالملف السوري “برعاية الأمم المتحدة”، وهو يغمز هنا إلى ضرورة عدم حصر الملف في الطرفين التركي والروسي، فهناك أطراف أخرى معنية بدرجة أولى بالملف.
وقال الرئيس الفرنسي في لقاء مع السلك الدبلوماسي بمناسبة السنة الجديدة، إن المفاوضات “يجب أن تتم برعاية الأمم المتحدة، في الإطار الذي حدد منذ 2012 في جنيف. ومن الملائم جمع الكل باستثناء المجموعات الأصولية والمتطرفة، والتحرك في إطار جنيف”.
وتعكس تصريحات هولاند عدم اعتراف واضح وصريح بمؤتمر أستانة، وهذا بالتأكيد سيعقد من مهمة الطرفين الروسي والتركي.
وتفسر أوساط روسية عدم دعوة الهيئة العليا إلى أستانة بأن المفاوضات ستقتصر على الشق العسكري، وليس كما يروج على أنه محاولة لإقصاء طرف بعينه.
ويبدو أن الإشكالات حول مؤتمر أستانة لا حدود لها، فهناك مسألة مشاركة وحدات حماية الشعب الكردي، حيت تصر الولايات المتحدة على حضورها باعتبارها مكونا رئيسيا في النسيج السوري، فيما ترفض تركيا بشدة هذا الأمر.
وفي محاولة لدحض الذريعة التركية أعلنت الوحدات، العنصر الرئيسي في تحالف قوات سوريا الديمقراطية، في بيان عن عدم ارتباطها بحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة تنظيما إرهابيا وقد أعادت القيادة المركزية الأميركية نشره، الأمر الذي قوبل باستهزاء تركي حيث قال إبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئيس رجب طيب أردوغان، “هل هذه مزحة أم أن القيادة المركزية الأميركية فقدت عقلها؟”
العرب اللندنية