على تخوم مدينة سرت تستعد أطراف النزاع الليبي لاستكمال مسار الحرب؛ لكنها تتمهل قليلاً انتظاراً لما ستسفر عنه المباحثات الجارية في مدينة بوزنيقة المغربية، رغم أن غالبية الأفرقاء السياسيين في الداخل يعتقدون أن هذه المشاورات «لن تفلح في حلحلة الأوضاع المتأزمة بالبلاد»، طالما بقيت بمعزل عن مشاركة من بيده تحريك القوة العسكرية على الأرض.
ويشارك في اللقاءات التمهيدية الجارية في بوزنيقة وفدا المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، وبرلمان طبرق لمناقشة قضايا ليبية عالقة، وعلى رأسها «المناصب السيادية» ووقف إطلاق النار في البلاد.
لكن الأوساط السياسية في ليبيا قللت من أهمية هذه اللقاءات لأسباب عديدة، أبرزها بحسب نواب ينتمون إلى شرق البلاد، «تغييب المشاركين عن الجيش الوطني، بقيادة المشير خليفة حفتر»، وبالتالي بدأ الحديث عن أن الفريقين «ليست لديهما صلاحيات واسعة لمناقشة خطط مستقبلية تتعلق بوقف الحرب، واتفاق الصخيرات».
وكان الناطق باسم «الجيش الوطني»، اللواء أحمد المسماري، قد صرح بأن القيادة العامة «تذهب مع أي محاولة لتحقيق حلم الليبيين وطموحاتهم في دولة آمنة، بعيدة عن الإرهاب والعصابات الإجرامية والمرتزقة والاحتلال الأجنبي»، لكنه لفت إلى أنه تلقى عشرات الاتصالات من نشطاء سياسيين ومشايخ القبائل للاستفسار حول جلسات الحوار، خاصة أنه لم يخرج أحد من المسؤولين للحديث عن هذه المحادثات، ولتوضيح الغاية والهدف والخطوات الخاصة بها.
وبعد يومين من لقاءات المغرب، رأى رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، (الممثَّل بفريق فيها) أن ما يجري بالمغرب «عبارة عن مشاورات طبيعتها غير رسمية»، موضحا أنها «تهدف للبحث عن سبل لبدء الحوار»، وأنها «أقرب إلى جلسة عصف ذهني بين مختلف الأطراف الليبية لبحث كيفية الخروج من الأزمة الليبية الحالية، وهي ليست ملزمة أيضاً في نتائجها».
تصريحات المشري، التي كشف عنها مساء أول من أمس خلال ثاني أيام لقاء بوزنيقة، جاءت متوقعة بحسب سياسيين ليبيين، يرون أن «العقبة أمام مثل هذه اللقاء لم تزل قائمة بعد»، وهي أن كل فريق في هذا اللقاء «سيهدف إلى تنفيذ أجندته، وفرضها على الطرف الآخر»، وبالتالي «ليس مستغرباً أن يردد المشري ذلك». لافتين إلى أن لقاءً مرتقباً سيجمع المشري بالمستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، في المغرب إذا ما نجحت مشاورات الفريقين في وضع أسس لحوار الرجلين، أهمها ما يتعلق بمناقشة طبيعة «المناصب القيادية»، وفقاً للمادة 15 من اتفاق الصخيرات.
وتنص المادة 15 في الاتفاق السياسي، الذي وقع في الصخيرات نهاية 2015 في فقرتها الأولى، على أن مجلس النواب «يقوم بالتشاور مع مجلس الدولة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ إقرار هذا الاتفاق، ووفقا للآلية المنصوص عليها بالملحق رقم 3 لهذا الاتفاق، بهدف الوصول لتوافق حول شاغلي المناصب القيادية للوظائف السيادية».
غير أن عبد الله بليحق، الناطق باسم مجلس النواب، سارع بالتأكيد على أن عمل الوفدين ليس بديلاً عن عمل لجنة الحوار السياسي المكلفة من البرلمان، موضحا أنه «ليس من صلاحيتهما مناقشة تسمية المناصب السيادية».
والمناصب التي تحدثت عنها المادة 15 هي «محافظ مصرف ليبيا المركزي، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس جهاز الرقابة الإدارية، ورئيس هيئة مكافحة الفساد، ورئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات، ثم رئيس المحكمة العليا، والنائب العام».
من جهته، ذهب المحلل السياسي الليبي عبد العظيم البشتي، أمس، إلى أن المجلس الأعلى للدولة «جسم سياسي ولد ميتاً، كما أن مجلس النواب فقد صلاحيته»، ورأى أن المجلسين «جزء من المشكلة، وليسا جزءاً من الحل». ولا يتوقف التقليل من أهمية لقاءات بوزنيقة على فئة دون أخرى، فقد رأى موسى إبراهيم، آخر متحدث باسم النظام السابق، أن مشاورات المغرب «استهدفت امتصاص غضب المتظاهرين في طرابلس، من خلال لقاء يجمع صالح بالمشري»، لافتاً إلى أن المجلسين «لم يشاركا في اختيار ممثليهما».
وتحدث إبراهيم في مقطع مصور عما سماه «مسرحية هزلية» مع تغيير الوجوه فقط، تتمثل بحسبه، في «اختيار شخصيات (إخوانية)، وأخرى تدعو للفيدرالية، تمهيداً للقاء جنيف المرتقب، والذي سيجري فيه تأسيس (الصخيرات 2)».
ودعا إبراهيم الليبيين إلى رفض ما سماه (اللعبة الدولية) من أساسها، والمطالبة بإخراج الأجانب من البلاد، و«أن يجلس الليبيون على طاولة الحوار، وإن كانت هناك حاجة لرعاية دولية فلتكن عن طريق الاتحاد الأفريقي»، محذراً مما سماه «فكرة تأسيس المحاصصة الجهوية، التي رأى أن المجتمع الدولي يرعاها.
ومع تصاعد حملات التشكيك في المباحثات الجارية، والتقليل من أهمية أي حوار سياسي، برز تيار آخر ينظر إلى هذه اللقاءات بإيجابية شديدة، ويرى فيها تحريكا للمياه الراكدة، فضلاً عن أنها نجحت على الأقل في إيقاف آلة الحرب بين «الوفاق» و«الجيش الوطني»، انتظاراً لما قد تسفر عن هذه الاجتماعات .
نقلا عن الشرق الأوسط