“أنسة إذا راحت أمي بتصيري أنتي أمي”، فاضت عيناه دمعا عندما شعر عبد القادر أن حرمانا مضاعفا سيعيشه في أيامه القادمة بعد زواج والدته من رجل آخر غير أبيه وتركها له ولأخيه الصغير، فكانت معلمته ملجأه الوحيد وخير بديل عن حنان الأم الذي بدأ يتلاشى مع قرار اتخذته لبدء حياة زوجية جديدة.
رغم أنه لم يتجاوز العاشرة من العمر، إلا أن عبد القادر كبر قبل أوانه كسائر أطفال سوريا الأبرياء، فقد اعتقلت قوات النظام والده منذ أربعة أعوام أمام عينيه وهو ابن السادسة، ومازال المشهد حاضرا في ذهنه ويصعب عليه نسيانه.
يروي عبد القادر ذلك الموقف وهو يذكر تفاصيله بدقة:” كنت نايم وصاروا يخبطوا عالباب متل الوحوش، ويقولوا وينو الإرهابي الي عم يطلع مظاهرات، كنت بفرشتي خايف وعبسمع صوت بابا عم يصرخ ويقلن أنا مادخلني وهنن يضربوه، وبعدا أخدوه وكانت آخر مرة بسمع صوتو فيا، ياريتني بوقتا ماسمحتلن ياخدوه كانت ماما ضلت معنا، بعدا فقت لقيت دمو معبي الأرض من كتر ماضربوه”.
مواقف قاسية يصعب على العقل البشري استيعابها، فكيف لطفل ذلك أمام هذا الإجرام؟، فالطفل بهذا العمر في الحياة الطبيعية يركز والديه جهدهما في ترسيخ القيم والأخلاق في ذهنه باعتباره غض وخام وقابل لالتقاط صور إيجابية يتعاملون على أساسها عندما يكبرون، لكن أطفال سوريا الذين تشربت أذهنتهم حياة الحرب وباتوا يدركون تفاصيلها بدقة وبأبعادها السياسية والعسكرية وحتى الاجتماعية، يعلمون جيدا مانوع الطيران في الأجواء حربي أم مروحي وما هي نوع القنابل والصواريخ من وقع صوتها على آذانهم.
وتروي لنا معلمة عبد القادر جانبا من نفسيته المتعبة بعد كل هذه المعاناة:” قررت والدته بعد ضغط من أهلها أن تتزوج وتترك طفليها ليكمل العم تربيتهما، بحجة أنها مازالت صغيرة والحياة أمامها وبالأخص بعدما تأكدوا أن زوجها قد قتله النظام من شدة التعذيب”.
تضيف وقلبها يتألم لحال الطفل الصغير:” كلما نظرت إليه وجدته شاردا ومعالم وجهه لا تشبه رفاقه في الصف، وكأنه رجل يحمل هموما وأوجاعا بهيئة طفل صغير، فدائما يحاول الانطواء على نفسه ولا يخرج مع رفاقه للعب في باحة المدرسة، أحاول جاهدة أن أعوضه ولو بجزء بسيط عما فقده لكن هل هناك مايعوض حنان الأم أو عطف الأب، وبالأخص عندما يخرج رفاقه في موعد الانصراف فرحين بقدوم أحد الوالدين لاصطحابهم إلى البيت أرى الدمعة تغرغر في عينيه البريئتين”.
ماذنب أولئك الأطفال في هذه الحرب؟، سؤال تصعب الإجابة عليه وسط مسؤوليات تتراكم في أعناقنا نحن الكبار، ترى هل نلقي اللوم على نظام لايرحم ساهم بحرمان آلاف النساء من أزواجهن، أم على الأم التي قررت أن تبني مستقبلها على حساب أطفالها؟.
المركز الصحفي السوري _ سماح الخالد