كان خبراً صاعقاً بكل المقاييس “الشعب السوري ينتفض ضد الديكتاتور”, فلم يكن أحد يتوقع أن تنفجر الأرواح المضغوطة وأن تفتح الأفواه المكممة من أياد الديكتاتور وعبيده وداعميه في إيران, ولكنها فعلاً كانت حقيقة فقد انتفض السوريون بمظاهرات حاشدة عمت مناطق واسعة من الخارطة السورية, وتمكنت براءة الطفولة من قدح شرارة الثورة الأولى, فكانت الثورة السورية الرقم الصعب في مد الربيع العربي الزاحف من شمال افريقيا إلى قلب بلاد الشام وحاضرتها الرئيسية “سورية”.
وكانت المفارقة المتناقضة أن تكون الثورة السورية من أهم وأخطر ثورات الربيع العربي الذي عده ملالي طهران في شمال افريقيا من بركات ثورة الخميني, لكن في قلب الشام حيث تحاك المؤمرات في طهران الأمر مختلف, لذلك اعتبره “الملالي” مؤامرة أمريكية سعودية صهيونية في صورة مركبة أضحكت وأبكت الكثير من السوريين, فلم يتوقع ملالي إيران أن الثورة ستمتد لتشمل عموم الأراضي والبلدات السورية, وتستمر كل هذه الأعوام رغم القمع الوحشي وفوبيا البراميل المتفجرة التي دمرت آلاف المباني والبيوت, ودفنت تحتها أبناء الشعب السوري ممن لم يتمكنوا من شد رحال الهجرة, وبقي الآخرون واقفين كأشجار السنديان في وجه عاصفة الرباعي الدموي “إيران وروسيا والأسد والمليشيات الطائفية الإرهابية”.
لكن المستوى الثاني من المفاجاة المدوية أن تكون مدينة درعا في أقصى الجنوب السوري والقريبة من العاصمة دمشق حيث يحكم النظام قبضته الأمنية إلى أبعد الحدود, مبعث الشرارة الأولى ضد حكم “بشار الأسد”, حيث لم يكن الطفل “معاوية الصياصنة” يتجاوز الرابعة عشرة حين كتب على أحد الجدران “أجاك الدور يا دكتور”.
حدث ذلك في شباط 2011 مع اندلاع الانتفاضات الشعبية فيما عرف منذ ذلك الوقت بانتفاضات الربيع العربي, وكان العالم “المنافق” بأسره شاهداً على نزول الملايين إلى الشوارع في تونس وليبيا ومصر واليمن.
هنا وعند هذا الموقع حسم السوريون خيارهم, وصمموا على السير في طريق ثورتهم التي رسموها بالدماء والأشلاء معتمدين على قوة الله وحده, وليس على المجتمع الدولي الذي بدا منذ البداية أنه يضمر الشر للسوريين وثورتهم, والمعلن ليس كالمخفي, والنوايا تختلف عن الأقاويل الجوفاء.
فمنذ اليوم الأول أعلنها السوريون عبارة قوية مدوية سمعت أصداؤها في أرجاء المعمورة “الموت ولا المذلة”, وأضحت هذه العبارة مثلاً أعلى يردده الصغير قبل الكبير, والنساء قبل الرجال, والكهول والشيوخ قبل الشبان, وسار مركب الثورة, وأبحر وسط العاصفة التي اكتشفنا مصدرها والذي لم يكن سوريا فحسب بل إقليمياً ودولياً, حيث تداعت قوى الشر والظلام لتنقذ الجلاد وتقتل الضحية على أمل وأد الثورة, ورغم كل هذه المحاولات ما زالت ثورة السوريين مستمرة ولسان حالها يقول.. “الموت ولا المذلة”.
مجلة الجدث – من ذاكرة الثورة – حازم الحلبي.