أسمى الملاح |
شهدت مناطق الريف الدمشقي عودة لبعض الأهالي الذي أجبرتهم الظروف على تركها قبل عدة سنوات، لكن ما يجري على أرض الواقع حاليًا سواء على صعيد الواقع الخدمي أم المعيشي لم يُرضِ نسبة كبيرة من الذين عادوا إلى بيوتهم ولو على الأنقاض.
فالبنية التحتية والقطاع الخدمي في تردٍ ملحوظ بل على حالها وتضررها جراء الحرب، وسط تأجيل ومماطلة كبيرين من حكومة نظام الأسد بشكل متعمد.
“أبو كريم الريفي ” ربّ أسرة مكونة من 5 أفراد، عاد وإياهم إلى منطقة ” حي القدم -عسالي” بريف دمشق الجنوبي، وقرر البقاء في منزله وترميمه قدر المستطاع ومواصلة العيش في المكان، رغم عدم الاستقرار الأمني والخدمي للمنطقة.
يُوضح أبو كريم آلية العودة المُعقدة بقوله: ” لم يكن الدخول لمناطق الريف سهلاً، إذ إنه يسمح بالدخول لمن يثبت ملكيته للأرض، أما من لم يثبت سند الأرض فقط ذهبت منه أملاكه، ولا يسمح له بالعودة، والمخاتير الذين تم تعيينهم من قبل حكومة النظام في المناطق هم المسؤولون عن ملء استمارات العودة حتى تمكنا من الدخول، حيث تم منحنا بطاقة عليها أسماءنا سُمح لنا من خلالها بالدخول والخروج.”
فكرة الرجوع إلى المنزل والديار كانت أملاً يحيا لأجله “أبو كريم”، وهو غير مستعد لترك بيته مرة أخرى كما يروي لنا، ويضيف: “تعذبنا كثيرًا في إيجارات المنازل التي لا ترحم وغلاء الأسعار المتزايد، لم يعد بالاستطاعة السكن في المدينة مع ارتفاع الإيجارات التي وصلت إلى حدود 75 ألف ليرة سورية للغرفة الواحدة مع منافعها في منطقة الشيخ محي الدين”.
فرحة “أبو كريم” لم تكتمل، فالوجوه تغيرت والشوارع باتت مختلفة ولسان حاله يقول: “فلا الأهل أهلي ولا الديار دياري”، وفي هذا الصدد يقول: “فرحتي كانت كبيرة بعودتي لمنزلي المتضرر بعد 6 سنوات من الغياب، لكن كنت أفكر كيف سأعيش هنا، كأنني في غربة نتيجة التغيرات.
تعاونت مع أولادي على تنظيف المنزل بداية، فأصلحت غرفة في المنزل وجعلتها صالحة للعيش، وبعدها سنكمل ترميم المنزل، وقمنا نحن ومن عاد من الجيران بتنظيف الحارة التي نسكن بها، وبقينا مدة طويلة نرمي المخلفات في بعض الساحات الفارغة والمهدمة أصلاً”.
العودة للحياة من تحت الأنقاض ليس بالأمر السهل، فمع استمرار ظروف الحرب وارتفاع الأسعار وشح المحروقات، يعاني أهالي الريف الدمشقي من عدم توفر المواصلات من بيوتهم لأعمالهم في المدينة، وفي هذا الجانب يقول (أبو كريم): “إنني مضطر لأن أدفع أكثر من 500 ليرة سورية يوميًا من أجل الوصول إلى مكان عملي في المدينة”.
أمَّا “سارة” التي فضلت عدم الكشف عن كنيتها الحقيقية لأسباب أمنية، والتي تقطن في الريف الدمشقي، فحدثتنا عن التحديات التي تواجه أسرتها وسط الكثير من الاحتياجات الرئيسة التي باتت غائبة عنهم، تقول: “إن الكهرباء ليست جيدة، فهي تأتي ساعة واحدة فقط وتنقطع لـ 5 ساعات أخرى، وأحيانًا تأتي لساعتين وتنقطع أربع ساعات وهكذا.
أما بالنسبة إلى المياه فهي غير متوفرة، يقوم والدي بتعبئتها عبر الصهاريج المتنقلة التي تكلفتها تفوق قدرتنا على شرائها، إذ يصل سعر الخزان الواحد 2500 ليرة سورية، يضاف إلى ذلك مشكلة المواصلات التي تغيب عن كل المنطقة في (القدم -العسالي)” الأمر الذي يجبر سارة على المكوث عند أقاربها في قلب العاصمة دمشق كي تستطيع الذهاب إلى جامعتها، بحسب قولها.
الحياة لم تعد سهلة كما قبل، تروي “سارة” بحسرة قائلة: “علينا الاقتصاد بكل شيء، في الطعام واللباس وحتى في مياه الاستحمام، وكثيراً ما تقوم أمي بإعادة تدوير مياه الغسيل لأعمال التنظيف في المنزل من أجل التوفير قدر المستطاع”.
رغم المعاناة والألم وتدني الخدمات، تبقى العودة للمنزل هي جل ما يسعى إليه من ذاق ألم التنقل المستمر وعدم الاستقرار، على عكس الصورة التي تحاول حكومة النظام نقلها عبر الوعود والاصلاحات الحالمة التي تتحدث عنها، التي باتت تندرج في إطار “بيع الأوهام”.
نقلا عن حبر برس