ويرى محللون أن القرار يؤكد عجز طهران عن الدفاع عن عملتها واضطرارها لتترك تحديد سعره لقوى العرض والطلب في أسواق الصرافة، في خطوة تعفيها من الدفاع عن السعر الرسمي غير الواقعي بعد انغلاق أبواب تعاملاتها مع العالم.
ويمثل ذلك تراجعا عن القرار الذي اتخذه البنك في أبريل الماضي والذي حظر بموجبه تداول العملة بغير السعر الرسمي البالغ نحو 42 ألف ريال للدولار، والذي أدى حينها إلى اعتقال عشرات الصرافين وتواري عمليات تصريف العملة عن أنظار الحكومة إلى الأقبية السرية.
وألقى البنك المركزي مسؤولية هبوط العملة على من وصفهم بأنهم “أعداء الثورة الإيرانية”. وتسارعت التصدعات في الأوساط الرسمية بحثا عن كبش فداء لفشل السياسات المالية لتطيح بعشرات المسؤولين في المؤسسات الحكومية.
وقال القضاء الإيراني مساء الأحد إنه جرى اعتقال 29 شخصا بتهم تنطوي على عقوبة الإعدام. وذكرت السلطات القضائية أنها اعتقلت سبعة أشخاص آخرين من بينهم نائب سابق لمحافظ البنك المركزي وخمسة متعاملين في العملة.
وتبدو الحكومة مجبرة على بيع الأوهام للشارع الإيراني الذي يقترب من الانفجار في ظل أوضاع اقتصادية كارثية ويأس يعم الأوساط الرسمية والشعبية من إمكانية تفاقمها في الأسابيع المقبلة.
وذكر متعاملون في أسواق الصرافة أمس أن السماح بتداول العملة بأسعار السوق أدى إلى ارتفاع العملة الإيرانية إلى 110 آلاف ريال للدولار، لكنهم لم يشيروا إلى إجراء صفقات بسبب ندرة الدولار والعملات الأجنبية.
وقال إيرانيون إنهم يطاردون أي أثر للعملات الأجنبية وأنهم مستعدون لدفع أكثر من 120 ألف ريال للدولار، في محاولة لإنقاذ مدخراتهم من الانهيار الحتمي للعملة الإيرانية بعد دخول المرحلة الأولى من العقوبات الأميركية حيز التنفيذ.

وتشمل تلك المرحلة حظر تعامل إيران بالدولار عبر القنوات المصرفية ومنع جميع التعاملات بالذهب والمعادن النفيسة، الأمر الذي يعزل طهران عن الأسواق العالمية.
كما تتضمن إيقاف جميع أشكال تجارة المعادن الصناعية مثل الحديد والألمنيوم، وحظر صفقات بيع وشراء العملة الإيرانية خارج البلاد، إضافة إلى منع التعامل بالسندات وأدوات الدين الإيراني.
وتمتد العقوبات إلى حظر نقل البرمجيات ذات الاستخدامات الصناعية وحظر التعاملات بجميع المواد المتعلقة بصفقات قطاعي الطيران وصناعة السيارات.
لكن الضربة الأقسى التي تنتظر الاقتصاد الإيراني تكمن في المرحلة الثانية من العقوبات والتي ستدخل حيز التنفيذ في 4 نوفمبر المقبل، والتي تشمل إيقاف صادرات النفط، والتي ستقطع شريان الحياة الاقتصادي الوحيد.
ويرى محللون أن العنصر الأخطر في جولة العقوبات الحالية يكمن في تطور تكنولوجيا متابعة الصفقات، لتسمح بتطبيقها بدرجة أكبر بكثير من جولات العقوبات السابقة.
وأثار هبوط العملة وارتفاع التضخم مظاهرات متفرقة احتجاجا على الاستغلال والفساد، واتسعت هتافات المحتجين مرة أخرى إلى أبعد من المطالب الاقتصادية لتصل إلى الدعوة لإسقاط النظام.
وحاول محافظ البنك المركزي الإيراني عبدالناصر همتي أمس إقناع الإيرانيين بجدوى الخطة المالية الجديدة لمواجهة العقوبات الأميركية بالقول “إن الخطة تعكس ثقة إيران بنفسها في مواجهة العقوبات الأميركية”.
وأضاف أن البنك المركزي سيسمح “بتعويم محكوم” لسعر صرف الريال وسيحاول تجنب استخدام الاحتياطي لدعم العملة. وأكد أن “البنك المركزي سيحاول عدم التدخل في تحديد سعر العملات الصعبة، الذي سيحدده العرض والطلب” وأن رقابة البنك ستمنع تقلبات السوق الخارجة عن السيطرة وظهور سوق سوداء.
لكن محللين يقولون إن أي إشارة إلى تدخل البنك ستؤدي إلى ظهور سوق سوداء أخرى خارج رقابة الدولة، وأن سياسات طهران طوال عقود لا يمكن أن تسمح بتعويم تام للعملة الإيرانية.
وفي محاولة يائسة لتشجيع الإيرانيين على إعادة ضخ سيولتهم من العملة الصعبة في الاقتصاد، سمحت خطة البنك المركزي بإنشاء حسابات ادخارية بالدولار للمواطنين العاديين، وهو أمر يستبعد المحللون أن يحقق أي نتائج في ظل انهيار ثقة الإيرانيين بالحكومة.
كما ستسمح الحكومة لمصدري السلع غير النفطية ببيع العملة الصعبة إلى المستوردين، في حين لن يكون هناك سقف لتـدفقات العمـلة أو الذهب الداخلة إلى البلاد.
وحاولت طهران تخفيف احتقان الشارع بالإعلان عن عزمها توفير العملة الصعبة بسعر مدعم لشراء السلع الأساسية والدواء، لكن المراقبين يشككون في ذلك في ظل انغلاق أبواب حصول طهران على العملات الأجنبية.
ومن المتوقع أن يؤدي دخول العقوبات المالية حيز التنفيذ إلى تسريع انخفاض صادرات النفط قبل حظرها بالكامل بعد 3 أشهر، بسبب مخاوف الشركات العالمية من انتهاك العقوبات عند تسليم ثمن الشحنات النفطية.
وتبدو الحكومة الإيرانية اليوم على منحدر خطير يقود إلى هاوية سحيقة عن اكتمال خنق الاقتصاد الإيراني بحظر صادرات النفط وإغلاق آخر وأكبر شرايين الحياة الاقتصادية 4 نوفمبر المقبل.