أنا أدافع عن دين وعرض، أدافع عن أهلي وكرامتي، أثأر لمنزلي الذي هدمته طائرات النظام دون أي دوافع تسمح باستباحة أعراضنا وأموالنا وأملاكنا، لن أعود إلى منزلي ولن أرى أهلي قبل أن أحقق ما خرجت من أجله.
بوجهه الجميل وابتسامته الدائمة وهدوئه المشهود يخاطب صديقه قائلاً “أنا شاركت في الحراك المسلح بعد بدء الثورة السورية للدفاع عن أهلي وعرضي أولاً، ولأنال الشهادة ثانياً، أنا لا أخاف الموت أبداً على العكس إنني متشوق له، لأنني مقتنع بالطريق الذي بدأت.
أحمد مشهور الإسماعيل ابن الثمانية والعشرين خريفاً كان أحد الطلاب الجامعيين، بالإضافة إلى امتلاكة مهنة صيانة الأدوات الكهربائية، منذ بداية الثورة السورية مطلع العام 2011 كان من أول المشاركين في حراكها السلمي، لينخرط فيما بعد بالثورة المسلحة، مؤمناً بحقيقة “ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة”، كانت مشاركت في الحراك المسلح مفاجأة للبعض، لكن الأيام كشفت فيما بعد عن بطل لازال رفاق دربه يشهدون له بالشجاعة والخلق الحسن.
إنضم إلى عدد من الفصائل العسكرية التابعة للجيش الحر في بدايات تشكيلة كونه الفصيل العسكري الوحيد حينها، إنفصل عنها أكثر من مرة وإنضم إلى أخرى لأنه كان يرمي إلى فصيل صادق همه الشعب وثورته فقط حسب تعبيره، كان آخرها جبهة أحد الفصائل الإسلامية التي أصبح من فيها قائداً لأحد مجوعاتها، وأحد أمهر رماة الرشاش الثقيل المضاد للطيران، كانت أطول فترة وآخر فصيل ينضم إليه قبل استشهاده.
شارك في عشرات المعارك من وادي الضيف والحامدية وكفرنبل وخان شيخون وغيرها من مناطق محافظته ادلب، إلى معارك حلب التي تم من خلالها تحرير عشرات المواقع الإستراتيجية لقوات النظام، إنتهاءً بمعارف ريف حماة الشمالي، كان الشهيد أحمد يتغييب عن أهله لفترات طويلة تجاوز بعضها الشهر أو أكثر بسبب الرباط على جبهات القتال، التي كان آخرها تحرير مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي، التي تزامن تحريرها مع عرس إستشهاده.
قبل أيام قليلة ودع أحمد أصدقاءه قائلاً لن أعود هذه المرة من خان شيخون، إما أن تتحرر أو أستشهد دونها، وبالفعل بدأت معركة تحرير المدينة يوم الأحد 26 من رجب 1435هـ، الموافق 25/ 5/ 2014 باستهداف الحواجز بالمدفعية الثقيلة والدبابات ومدافع جهنم والهاون، وكانت ساعة الصفر التي بدأها الاستشهادي أبي يوسف بمدرعته على تجمع عسكري لقوات النظام تحت التغطية الكثيفة بالرشاشات أسفرت عن تفجير وسط جموعهم ثم تبعتها سيارة مسيرة عن بعد وتفجيرها عند المحارس الشرقية للحاجز، لتقتحم الدبابات المدينة إثر التفجيرين لإرباك من تبقى من جنود النظام.
وبعد معركة كانت الأعنف في تلك الفترة تمكن الثوار من تحرير مدينة خان شيخون بشكل كامل بعد أن كانت محاطةً بأكثر من عشرين حاجزاً عسكرياً لقوات الأسد التي انسحب ما تبقى من فلولها جنوباً باتجاه مدينة مورك، التي آثر أحمد ومجموعته أن يلحقوا بهم ليقتلوا أكبر عدد منهم ويمنعوهم من الوصول إلى المدينة التي كانت أكبر تجمع لقوات النظام حينها.
إلا أن النهاية كانت هاهنا جنوب مدينة خان شيخون، عندما عاجلته رصاصة من قناص تابع لقوات النظام وهو فوق رشاشه المنتصب على سيارة تحاول مطاردة الفلول الهاربة، ليترجل الفارس في هذه البقعة بعد مسيرة حافلة بالشجاعة والأخلاق الكريمة.
المساجد بدأت بالتكبير والإبتسامة مرسومة على الوجوه فرحاً بتحرير المدينة التي شكلت كابوساً موحشاً لأهالي سكان ريف إدلب، بسبب راجماتها الصاروخية التي قتلت العشرات منهم، أما أم أحمد تجلس على قارعة الطريق تنتظر ولدها وكأنها أحست بمصابها، العشرات من سيارات الإسعاف تجاوزت منزلها وهي تحمل جرحى المعركة، وهي تنظر إليها كأنها تنتظر إحداها لتقف وتعطيها ولدها الذي كانت في لهفة لأن تفرح بزواجه.
وبالفعل وقفت إحداها وقد حملة جثمان الشهيد المبتسم الذي حمل وجهه بشرى الفرح بالتحرير ونيل ما كان يصبوا إليه، ليجتمع خلالها المئات من أصدقائه ومحبيه، للمشاركة في العرس الأخير الذي إنتهى هاهنا بعد أعوام من النضال والتضحية، بحثاً عن هدف منتظر حقق بعضاً منه ونال القسم الأكبر الذي قصد وهو الشهادة.
يقول محمد أحد أصدقاء الشهيد المقربين “رغم مضي أكثر من عام ونصف على إستشهاده لكن ذكراه أقوى من أن تمحوها الأيام، فابتسامته وحديثه وقامته لازات أمامي وكأني فارقته يوم أمس، رغم كل المشاجرات التي تحدث بين الأصدقاء كان الحليم الذي يضفي جواً من البهجة والسرور بحديثه وروح الدعابة التي يملك، حتى وإن كان في أسوء حال إلا أنه يرفض أن يظهر للآخرين”.
أحمد “أبو علي” ليس البطل الوحيد الذي قدم روحه وشبابه دفاعاً عن وطنه وعرضه، المئات سلكوا طريقه وقد امتلكوا من القناعة الشيء الذي دفعهم للتضحية بأرواحهم فداءً لوطن إستباح كرامته ودماء أهله القاصي والداني، دون حمل كرامة للدماء التي تراق يومياً كما السيول.
المركز الصحفي السوري – ماهر حاج أحمد