العلويين مكون لا ينفصل عن الوجود السوري
تعتبر الطائفة العلوية مكون رئيسي في سوريا، والتاريخ السوري حاف بوحدة السوريين فيما بينهم في رغم مرور الكثير من الأحداث السياسية والتي حاولت اللعب على الوتر الطائفي, وفشلت ومنها الاحتلال الفرنسي والذي عرض على الثائر ( صالح العلي ) دولة علوية ولكنه رفض بشكل قاطع، لأنه يعتبر أن سوريا غير قابلة للتقسيم على ذلك الأساس.
يقول الصحفي والباحث جرجس الهامس((((نحن شعب واحد من عدة طوائف تكونت تاريخيا بعد الإسلام، الاضطهاد عموماً جاء من الاحتلال الأجنبي ومن الإقطاع المحلي وكان شاملاً كل الطوائف تقريباً، طبعاً الخلافات الدينية كان لها دور في الاضطهاد على هذه الطائفة أو تلك وفي الثورات السورية ضد الاحتلال الأجنبي كان الجميع يدا واحدة كما حدث في الثورات ضد الاحتلال الفرنسي، وكان العلو يون يقاتلون بجانب (إبراهيم هنانو ) في الشمال السوري وبعد الاستقلال اضطهد شعبنا بجميع طوائفه)).
بالطبع كل هذا جاء قبل نظام الأسد وخلال خمسين سنة من الحكم الدكتاتوري والذي أحكم قبضته الأمنية بشكل كبير استطاع خلالها اللعب على وتر الطائفة العلوية والتي ينحدر منها، وذلك عبر تفعيل عقدة الأقليات وتقليد معظم العلويين مناصب كبيرة دون سواهم، خمسين سنة كانت كفيلة بجعل الطائفة العلوية هي الكلمة العليا بنظر الشعب، ونبذ كل ما سواهم.
ورغم أن الطوائف والكلام عنها هو أمر جديد ولم يطرق قبل الثورة السورية إلا أن الكثيرين يخلطون بين العلويين ونظام الحكم والظلم، وما زاد الأمر تعقيدا هو اختيار أغلبية العلويين للوقوف بجانب الأسد، في تغييب بأن الحكم زائل والشعب باق.
ما هي طبيعة الصراع في سوريا
يرى البعض أن الصراع الآن هو صراع سياسي أكثر منه طائفي فلأسد وروسيا وإيران قوى جبارة قد أخضعت الكثيرين ونمهم السنة وليس فقط العلويين لجانب الأسد، ويبدو أن
الحرب الدائرة أخذت أشكالا متشعبة وكثيرة ومتشابكة، قد جعلت الرؤية للأمور غير واضحة، أيضا تدخل عدة أطراف من الخارج وحالة الجمود السياسية العالمية والتي زادت الوضع تشويها في سوريا.
ويرى الباحث والمحلل السياسي الدكتور محمد حمزة أن الحرب هي حرب مصالح سياسية واقتصادية وعسكرية بامتياز، ولكن غطاءها جاء على شكل صراع طائفي واجتماعي قومي.
إلا أن هناك الكثيرين يروا أن البعد الطائفي بدأه النظام الأ سدي في بداية الثورة السورية وذلك لشحن النفوس وزيادة حجم الكره ضد الثوار والذين كانت أغلبيتهم من السنة، وجاء التدخل من مليشيا حزب الله وإيران بشكل طائفي ومحاولة التصفية الطائفية والذي أدى بدوره لردة فعل تجاه ما يجري وفي ظل بث عشرات بل مئات المقاطع من الفيديو والتي كان يسجلها بالغالبية مقاتلين من العلويين، وكان كل ذلك يؤدي للتراكمات مما دفع بعض مقاتلي الثوار يردون بالمثل أحيانا، وعبر خمس سنوات كانت الحرب قد أخذت شكلا مختلفا تماما عما هي حقا، وكان هناك تشرذم وتبعات طائفية كثيرة في ظل استمرار الحملات الإعلامية التي تهدف لزيادة البغض والضغينة بين مكونات الشعب السوري.
يقول فداء السوري: والذي عرف عن نفسه بأنه، سياسي مع رفض ذكر طائفته والتشديد على قول أنا سوري ((لقد استخدم النظام السوري الدين والطائفية كوسيلة في الحرب الدائرة منذ سنوات. وسيلة لحرف الصراع وتشويه صورته وحقيقته من كونه صراع من أجل الحرية والحقوق بين شعب وسلطة إلى إظهاره للعالم بما فيهم العرب والسوريين المحايدين على أنه صراع طائفي.
هنا استطاع النظام بوسائل عديدة خداع الملايين من البشر بما فيهم العلويين ومن يعيش في مناطقهم في الساحل من أقليات بل حتى من السنة على أن المستهدف هو الوطن والأقليات من قبل إرهابيين إسلاميين تدعمهم تركيا وقطر والسعودية. في الجانب الآخر لقد قدمت مئات الفيديوهات والبيانات الصادرة من فصائل إسلامية متشددة أو معتدلة دليلا للأقليات والسوريين والعلويين على أن كلام النظام ودعايته صحيحة. فهذه الفيديوهات والبيانات كانت ترتكز على شيء جوهري وهو أن الصراع هو صراع سني أو إسلامي ضد النظام النصيري أو العلوي ومن ثم فهو صراع إسلامي سني من ناحية وشيعي علوي من ناحية .
لعب النظام كثيرا على استقطاب السوريين الرماديبن ومن ثم على استقطاب العلويين ليقفوا معه مظهراً أن الحرب في سورية غايتها ذبح الأقليات والعلويين خصوصاً ولقد وفرت داعش براهين مستمرة على ذلك. من هنا وتحت القصف الدعائي المستمر لأجهزة إعلام النظام – لاسيما نشره لفيديوهات الذبح عبر الهواتف الموبايل وأجهزة إعلام إيرانية ولبنانيين وروسية وغربية أمريكية وأوروبية بدأت الصورة تظهر عالميا قبل أن تظهر للأقليات السورية على أن المستهدف في الحرب هم الأقليات بما فيهم العلويين. من هنا اعتبر بشار الأسد على نطاق الرأي العام الغربي كله تقريبا على أنه حامي الأقليات والمصارع ضد الإرهاب. ماذا نتوقع من سوريين مقتنعين أن داعش قادمة لذبحهم سوى أن تضطر مكرهة للوقوف مع من يقاتل داعش والتكفيريين))
ما هي صورة العلاقة بين العلويين وباقي مكونات الشعب السوري ؟؟
في ظل استمرار الحرب الضروس والتي تفرعت كثيرا في سوريا حتى شملت الدين والعرق والتكوين الاجتماعي والديموغرافي والنفسي للشعب السوري، يرى السوريون أن المستقبل رمادي ولربما أسود في أغلب الظن حيث أن الأغلبية أجمعت أن الطائفة العلوية أغرقت نفسها في جعل نفسها كبش فداء لنظام شوه الحقائق ونزع فتيل حربا أهلية بات الخلاص منها كمن ينتزع ورم خبيثا، ربما سيزيل معه أجزاء كبيرة من الجسم!
وتشوب العلاقة المقبلة بين العلويين والأطياف الأخرى وخاصة السنة دوامة عنف قد تمتد لسنوات طويلة بحسب رأي الكثيرين، وقد يصبح المشهد العراقي واللبناني هو المشهد السائد في سوريا .
يقول محمد وانلي (( الأمر معقد جدا وهناك فوضى عارمة ودوامات كبيرة ومتشابكة من العنف ستحكم الموقف بعد رحيل الأسد )) .
ويرى غسان السوادي مواطن سوري هاجر إلى بلغاريا بسبب العنف، أن الموضوع أكبر ((وأن الطائفة السنية عانت الأمرين وكانت مظلومة طوال خمس سنوات ولا يعرف متى ينتهي الظلم والقتل والانتهاكات والتعذيب بحقها،وأن الأمر بات انتقاميا بشكل أساسي وقد يكون الثأر هو سيد الموقف في العلاقة بين السنة والعلويين. وذلك نظرا لانخراط الطائفة العلوية بشكل كبير وارتباطها بأغلب المجازر بحق الشعب السوري ومنها مجزرة بانياس والحولة والبياضة ومئات المجازر والتي وثقت جميعها وتدينهم بشكل قاطع، ويضيف أنه لا صلح بين القاتل والمقتول .))
ولكن هناك من يرى باب أمل إن خرجت سوريا من دائرة القتل والاحتكام للعقل والسياسة والقضاء العادل، فللجوء للعنف يولد مزيدا من الدماء والدمار لكل الأطراف ويأتي بنتائج عكسية قد تجعلنا في بحر دماء لعشرات السنين جراء حرب مبنية على الطائفة و الصراع الانتقامي، يضيف الدكتور حمزة ((أعتقد أن المرحلة الانتقالية ستستمر عمليا لأكثر من عشرة سنوات حتى الجروح تلتئم ولكن القوى السياسية والمدنية والاجتماعية والدينية يجب أن تلعب دورا فاعلا في إزالة الأحقاد وبالطبع لابد من محاسبة القتلة والمجرمين ويجب تدخل القوى الدولية وإشرافها على المرحلة الانتقالية بدون الأسد إذ لا أمكن القفز فوق العدالة الانتقالية)).
ما هو دور العلويين المثقفين والمناهضين للأسد
برز في أوائل الثورة الكثير من الدور الهام للمعارضين والمناهضين لنظام الأسد وقمعه للثورة السورية، وشخصيات كانت فاعلة جدا سياسيا وشعبيا ودفعت ثمن موقفها غاليا جدا المعارض وحيد صقر والذي توفي إثر مرض غير معروف وذلك جراء استمرار موقفه مع الثورة ضد النظام أيضا جمال سليمان ولويز كريم وفؤاد حميرة وغيرهم الكثير، والذي حاولوا أن يجعلوا من الثورة منهجا بعيدا عن التأويلات الطائفية، بحسب بعض الآراء فإن هذا الدور بات متواريا قليلا نتيجة لتشابك وضعف المظاهر السلمية في الثورة، وسيطرة قوة السلاح والاحتكام للجهة الأقوى . إلا أنه ما زال هناك بصيص أمل صغير للمعارضة العلوية والثوار الذين حاولوا توجيه الدفة سياسيا على الأقل متمثلين ببعض شخصيات علوية لها التأثير الطفيف ولكنه مستمر .
ولكن يمكن أن نقول أنه لا يجب توصيف المعارضة أو الحركة الثورية بحسب مسميات طائفية لأن هذا يصب في خانة واحدة وهي المرجعية الطائفية، في حين يجب أن تكون الممسيات كلها سورية دون ذكر المذهب ولا الطائفة، لأن الثورة انطلق للجميع وليس لتسميات قد تخدم النظام أكثر ما تؤذيه، في اللعب على الوتر الطائفي بشكل غير مباشر .
يضيف فداء سوري أنه(( لا يفيد أن يكون هناك أي دور أو نشاط من خلال الباب الطائفي ولا من خلال انتماء إلى طائفة، الدخول من خلال هذا الباب سيؤدي تلقائيا إلى اصطفافات سورية من موقع الانتماءات الطائفية ولو حصل الأمر على هذا النحو لكانت المجموعات أو الكتل الاجتماعية الضعيفة والأصغر هي الخاسرة كما هؤلاء المثقفين. إن الباب الصحيح علميا وواقعيا هو الباب الأوسع أي الباب السوري وليس العلوي أو المسيحي أو الكردي. وعلى جميع المثقفين السوريين أن يلعبوا دورا منذ الآن في قول الحقيقة دون مواربة والبحث في الواقع السوري دون وجل أو خوف)).
نقطة رجوع
من الجلي للعيان أن الحرب طغت على كل الإيجابيات في سوريا، ولربما قد تكون الحال على كل الأصعدة تدهورت بشكل لا خلا ف عليه، ولكن يجب على السوريين من مختلف الخلفيات المذهبية، ونبذ الخطاب الطائفي التحريضي والذي يدمر النسيج السوري بشكل أكبر ويدخل السوريين بنفق لا مخرج منه أبدا، فقد تكون الحرب قد أثرت سلبا على مكونات الشعب السوري، إلا أنه من الممكن تدارك هذا الوضع بالرجوع لمرجعيته السورية القويمة دون أية تبعات أو أجندات أو مصالح قد تجعل النسيج السوري أثرا بعد عين !!.
المركز الصحفي السوري – زهر محمد