اللاذقية – أليمار لاذقاني
كان “ع.ش” من بين أولئك الذين تورطوا بأعمال السلب والاغتصاب والقتل في سوريا، عندما تعرف عليه “و.س” في عيادة طبيب الأمراض النفسيّة التي يعمل فيها محللاً نفسياً مساعداً. يقول “و.س”: “جذبتني قصّة “ع.ش” فهي تحمل في طيّاتها الكثير من آلام هذا الشخص فهو شبّيح بالمعنى الحرفي للكلمة، ولكنّه الآن يصرخ لآلامٍ لا يعرف من أين أتته”.
يضيف “و.س” في حديث لـ”عربي21″، إن “ع.ش ابن قرية تابعة لريف اللاذقية كان موظفاً في وحدة الكهرباء في القرية بدوام عمل سهل جداً، حيث كان يقضي معظم أوقاته في الزراعة والتجوّل بين القرى القريبة، وكانت حياته أقرب إلى المثاليّة، حتّى بدأت الأحداث وراح الجميع ينضمّون لهستيريا جماعيّة اسمها المندسّون”.
تطوع حينها “ع.ش” عنصراً على أول حاجزٍ أنشئ في القرية ليدافع عن القرية، ويقتبس عنه قوله: “لا أدري لم كنا نفعل ذلك، كنّا نبحث بشكل دائم عن مندسّين، وكان المندسون في أذهاننا هم السنّة الذين قد يقتربون من قرانا، لأنّهم كانوا في مخيلتنا أشبه بالإرهابيين الذين ولدوا إرهابيين. وفي إحدى المرّات أوقفنا سيارةً كانت تقلّ أسرةً من الطائفة السنيّة ورحنا نكيل الشتائم لهم، ومنعناهم من دخول قريتنا، وكاد بعض من كانوا على الحاجز أن يقتلوهم لولا مغادرتهم الفوريّة للحاجز”.
يتابع “و.س”: “انضم بعدها “ع.ش” إلى اللجان الشعبيّة، وراح يخرج في مهمات للمناطق الساخنة. كان يواجه هو ورفاقه المتظاهرون بالضرب، ومن ثم بدأ بعمليات النهب. وكان الأمر أشبه بمغامرةٍ هوجاء بالنسبة له، جمع خلالها ثروةً لا يعرف سبيلاً للتمتع بها، لأنه لم يعرف النوم منذ ذلك الوقت أو طعماً للسعادة، فهو على العكس تعيس للغاية، يستيقظ ليلاً ليجد نفسه غارقاً في البكاء والخوف”.
يتابع: “أصبح “ع.ش” شخصاً غاضباً ينفجر في وجه كل من حوله لا يعرف ما الذي يحصل له بالضبط، لا يذكر شيئاً مما يفعله عندما يعود له عقله، يستغرب ما قام به من أفعال غريبة عنه. ففي إحدى المرات ضرب أمه وكسر لها يدها، لذا نصحوه أن يتردد على طبيب نفسي علّه يشفى من مرضه هذا”.
وفيما إذا كان تورط بالقتل، يقتبس “و.س” من حديث “ع.ش”: “لست أنا من قتل، دفعوني للقتل، أوهموني أنّه فعل وطني ولازم، نعم لقد قتلت الكثير، ولا أدري العدد، وتمرّ صور القتلى في ذهني عندما أنام فقط، لا أريد ذكرهم”.
وبحسب “و.س”، دخل حينها “ع.ش” في حالةٍ من التوتر الشديد، كانت يداه ترتجفان كثيراً، “وعندها سألني بلهجة التشبيح ذاتها: ماذا تريد أنت؟ فأجبته بأنني معه لأساعده في التخلص من الكوابيس ومن الحالات التي يمر بها، فهدأ قليلاً، ومن ثم اقترحت عليه أن يبدأ بتدوين كل ما جرى معه، وأن يعترف به لي أو لأحد أصدقائه، وأن يحاول مساعدة النازحين السنّة في اللاذقية كتكفير عن ذنبه”.
يقول “و.س”: سيعاني “ع.ش” حياةً قاسيةً، فهذا القلق الاضطهادي سيرافقه مدى الحياة، ولن يستطيع أحدٌ أن يعيده ذلك الشاب السعيد، ربما ستمر لحظات السعادة في حياته ومضات سريعة فقط، وهذا في حال شفي من نوبات الهستيريا التي يعاني منها بشكل شبه يومي”.
ويتابع أن مثل هذه الحالات “بدأت تزداد في مجتمعنا الذي أصبح بحاجة ماسةٍ لكثير من الجهود لإعادة تأهيله، فهناك الكثير من الحالات، والأكثر تلك التي لا يفصح أهلها عنها، ذلك قد يكون جزءاً بسيطاً من الدمار النفسي والأخلاقي الذي خلّفه النظام في بيئته، وفي المجتمع السوري ككل”.
المصدر: عربي21