عندما تلجأ الأهالي في سوريا إلى بيوت الله، لتختبئ فيها، فاعلم أن الإنسانية ماتت، وأن المأساة والألم في تزايد دون رحمة.
ومع تصاعد قصف طائرات النظام الحربية في مدينة إدلب، مرتكبة عدة مجازر بحق الأبرياء ممن منعتهم ظروفهم الصعبة من النزوح، وخصوصاً أنه في تلك المدينة أحياء قديمة يسكنها أناس بسطاء زادتهم الحرب فقراً.
تكشف أم عبد الكريم (39 عاماً) من مدينة إدلب “أسكن في حي شعبي، مع أبنائي الخمسة برفقة أهل زوجي، وبعد وفاة زوجي في فرع أحد فروع الأمن لدى التحقيق معه “بتهمة التظاهر” وبظروف تزداد صعوبة يوماً بعد يوم، لم يكن بوسعنا أن نغادر منزلنا المرتفع عن الأرض (الدور الرابع) فقط نكتفي عند سماع صافرات الإنذار باللجوء للجامع القريب من المنزل “جامع الحسين” لعلنا نجد في بيت الله الأمان، من نيران من لا يخافه”.
وكعادة النظام الذي يستهدف التجمعات والبنى التحتية، لإلحاق الضرر والقتل لمن خرج عن سيطرته.
تضيف أم عبد الكريم، بألم يعتصر القلب بالحال الذي وصلت إليه قائلة “علت صوت صافرات الإنذار في ليلة الخميس معلنة قصف طائرات النظام حمولة الموت، تظاهرت بالتماسك والهدوء، ولساني يطلق الدعاء راجياً من الله أن أسرع بمن بقي لدي من الأهل والأبناء لجامع الحي “جامع الحسين” لعل بيت الله يقينا من نيران القصف”.
تتعثر أم عبد الكريم بقدمها وهي تسرع في نقل أبنائها الصغار أولاً، ومن ثم مساعدة والديّ الزوج الهرمين، رغم بطء مشيتهما، بقدميهما النحيلتين الملتفتين على بعضهما البعض من شدة الخوف ” رحمك الله يا زوجي.. كم أحتاج إليك”.
تضيف أم عبد الكريم “لم تكن سوى لحظات استقر الجميع تحت قبة حرم المسجد بقلوب منكسرة تشكو حزنها لله الذي لا يغفل عن الظالمين”.
وبسرعة البرق سقط صاروخ من إحدى تلك الغارات التي استهدفت المدينة، مستهدفاً “جامع الحسين”
ذلك الجامع الذي شهد بداية الثورة تجمعاً كبيراً للأهالي المستضعفين، معلنين مناشدات الحرية والخلاص من نظام فقد الشرعية.
بقلب منكسر وحزين خرجت أم عبد الكريم من الجامع لتجد أنها تركت خلفها ركام منزل كانت تسكنه منذ ساعات، لم تجد سوى أنقاض المنازل تهاوت مع منزلها معلنة فديتها لبيت الله الذي لم يخيب المستضعفين، وحماهم بقدرة الله التي لا تعاجز، ولو أنهم كانوا في بيوتهم لكان الموت بانتظارهم.
التفتت أم عبد الكريم للجامع بنظرة شاكرة وبلسان يقول ” بيوتنا فداء لكل مسجد في مدينتي، لتبقى شامخة وعبرة للصمود رغم الألم.. معلنة قدوم يوم الحرية.. بانتظار رفع التكبيرات وإعلان صلاة النصر”.
المركز الصحفي السوري- بيان الأحمد.