يؤثر النظام السوري، بمخيلة مجرم وإصرار قديس، أن يبقي على التعاطي الاقتصادي بمفهوم وأدوات السياسة القديمة، رغم كل الذي حصده من خراب وتدمير، جراء حبس الاقتصاد بسجن التصريحات وإقصاء العقل والمنطق وواحد زائد واحد.
الذي جرى لليرة السورية فقط، كفيل بصحوة حكومة الأسد، والاعتبار أن التصريحات والطمأنة الكلامية، لا تجدي في الاقتصاد نفعاً، إن لم تقترن بأفعال تنعكس وقائع على السوق ومعدة المستهلك في آن، فالعملة السورية التي أكلها التضخم بنسبة فاقت 175%، يحرص مجلس النقد والتسليف، حل مشاكلها عبر الخروج على الشاشات التلفزيونية الممانعة وضخ الدولارات بالسوق، متناسين أن آلان غرينسبان كان يخفي إيماءات وجهه، خلال ظهوره الاضطراري، كي لا يستشف المراقبون وضع الدولار، من تجهم غرينسبان أو تجهمه.
وها هي الليرة تهوي، بعد أسبوع من التثبيت القسري، نتيجة المنع والقيد والحصر، بل ومضاف لهذه الثلاثية، إغلاق شركات الصرافة وسجن أصحابها. قد يكون تصميم الأسد على بقاء الليرة على قيد التداول، فيه بعض منطق، لأن في انهيارها سقوطه ومن باب الاقتصاد، ولكن أن يخرج وزير ماليته أمس ليقول “نناقش ضريبة الإنفاق الاستهلاكي في مجلس الوزراء وسيصدر قريباً” فهذا ما لا تعرفه أي مشفى للأمراض العقلية من سلوك أو تصريح.
وضريبة الإنفاق الاستهلاكي هي ضريبة، أو رسم الرفاهية، المعمول به في سورية منذ عام 1987 بموجب مرسوم رئاسي، وتتضمن فرض نسبة مئوية من قيمة الوحدة المنتجة، ليتحملها، أو يدفعها، في نهاية المطاف، المستهلك. وتبلغ هذه الضريبة 15% من قيمة كل منتج ورد ضمن “قوائم الرفاهية” والتي لم تعد تختصر في سورية على السيارات والعطور والموبايلات، بل تضم السلع الغذائية، بما فيها الزيوت.
نهاية القول: كل المؤشرات في سورية ارتفعت، عدا الناتج والإنتاج والتصدير طبعاً، وكل تلك المؤشرات وصلت مستويات قياسية، تؤكد بعد دخول 16 مليونا تحت خط الفقر، أن السوريين هم الأفقر في العالم، ورغم ذلك يخرج سيادة الوزير ويعدهم بضريبة على رفاهيتهم.