دخل وفد المعارضة السورية إلى اجتماع أستانة الذي ضجّت به وسائل الإعلام، منذ ما يقارب الشهر، لإيجاد آلية توقف القتل والدمار الذي حلّ بالشعب السوري، ولكن من يسعى إلى عقد مؤتمر السلام هو نفسه الذي استخدم طائراته ومدافعه في سفك الدم السوري في مقابل الحفاظ على نظام الأسد.
ذهب وفد المعارضة مرغماً عنه، أو إذا صح التعبير، دخل الاجتماع لأنّ تركيا فرضت عليه ذلك، لكن السؤال: ماذا تمتلك المعارضة من أوراق القوة، لكي تفاوض وتفرض شروطها؟
بنظرةٍ سريعةٍ على الفصائل، نجد أنّها غير موّحدة، وليس عندها أيّ خطة استراتيجية أو عسكرية أو سياسية واضحة المعالم تحاور وفقاً لها، كما أنّ تلك الفصائل مختلفة على رفع علم الثورة، ولكلّ منها علمها، ولكأن الثورة التي دفع السوريون ثمنها من دمائهم وتشرّدهم هي لقيادات تختلف على من يجلس على رأس طاولة الطعام، ما يمكن اعتباره مؤشراً خطيراً قد يكون المسمار الأخير في الثورة، وفرض روسيا شرعية الأسد، رغماً عن الجميع، لعدم وجود بديل له.
بعد معركة حلب التي خسرت فيها المعارضة المسلحة أهم مناطق وجودها في الشمال السوري، اتضحت السيناريوهات التي يتبعها الأسد الذي استغل حالة التبعية من قيادات الفصائل للداعمين، إذ شن هجومه على ريف دمشق الغربي بقوة عسكرية كبيرة، بغية إتمام سيطرته عليه، فكانت وجهته وادي بردى، آخر معاقل الثوار، والأكثر أهميةً في الريف الغربي لدمشق، من دون أي ردة فعل من الفصائل الثورية التي باتت ترقب وتنتظر القادم بعد ذلك.
إذاً، كيف لإنسان يريد أن يحقّق مطالبه التي يعتبرها شرعية، وهو لا يملك أيّاً من شروط التفاوض؟ فالمعروف في السياسة أنّ الأقوى هو من يفرض شروطه. ولكن، للأسف الشديد عند كلّ مؤتمر أممي أو محلي لم تتمكن المعارضة من الحفاظ على أوراقها التي تستطيع أن تلعب فيها، لتحقيق ما هو منتظر، بإرغام كلّ القوى الداعمة للأسد على التخلّي عنه.
حالة الاستكانة التي وصلت إليها قيادات الفصائل ستسبّب لهم خسارة أوراقهم العسكرية على الأرض بشكل تدريجي، ولن تتجرّأ بعد ذلك على رفع سقف مطالبها في المفاوضات التي ستجري الآن، أو بعد وقت من الزمن (جينف 3)، وستخضع مرغمةً للرغبات الإقليمية التي قد تؤكد شرعية الأسد في البقاء في السلطة مع بعض التعديلات في رؤوس النظام، بعد إعادة هيكلتهم بشكل يناسب المصالح الخارجية.
مؤتمر أستانة التي أصرّت عليه كل من روسيا وتركيا، على الرغم من كلّ خروق إيران والنظام الهدنة، لن يكون سوى لجمع كلّ الأطراف العسكرية على طاولة واحدة لإفقادها ما تبّقى لديها من أوراق، لكي لا تستخدمها في مؤتمر جينف، المزمع عقده الشهر المقبل. هذا من جهة، ومن جهة أخرى للسيطرة على أكبر كم من السلاح على الأرض السورية بالنسبة للمعارضة والنظام، ما يقوّي نفوذ الدولتين على الأرض.
ما يدعونا إلى إعادة التفكير ملياً في المؤتمر أين دور الدول العربية وخصوصاً السعودية؟ أو ليس هذا يدعونا إلى التأمل في ظل انعدام الدور الأميركي، بعد رفض المشاركة، إلا على مستوى سفيرهم في العاصمة الكازاخية؟
للأسف، وفقاً للأوضاع الراهنة، لن يكون لنا، نحن السوريين، أهمية إنّ عارضنا أو أيّدنا لعدم وجود أيّ أهمية لذلك، لأنه حتى الفصائل الثورية المشاركة لا تملك حق القبول أو الرفض، ليظل الشعب السوري يقدّم دماءه، فداء لثورته التي آمن بها وباعها من يمثلون قيادات الفصائل.
العربي الجديد – أحمد سلوم