في ظل الصمت العالمي أمام ما يتعرض له الشعب السوري من مجازر جماعية، يستمر النظام بطغيانه وهمجيته.
لم يعرف التاريخ حالة مشابهة لتلك التي يصنعها ويديرها النظام، فمنذ خمس سنوات تقريبا، سياسة تسمح له بصناعة الموت في سوريا.
لم تعد قصص ضحايا الثورة تروي طريقة موتهم فحسب، بل باتت تروي معاناة الأهالي في دفن موتاهم بعد الممات، فلكل قبر حكاية .
مع أول صرخة للحرية، بدأ بشار بارتكاب أبشع المجازر بحق شعبه، فمن تصفية للمعتقلين إلى مجازر يومية بالطيران إلى التصفيات الميدانية، ومن أبرز هذه المجازر التي لا تعد:(مجزرة الحولة، مجزرة القبير، مجزرة سجن صيدنايا، مجزرة داريا، مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية، ومجزرة حمورية ودوما وغيرها الكثير).
إذ صرح مركز توثيق حقوق الانتهاكات في سوريا حول حقيقة دفن المئات من المعتقلين في مقابر جماعية في ريف دمشق: “إن هناك المئات من المواطنين السوريين الذين تم اعتقالهم تعسفيا، قد قضوا نتيجة التعذيب الشديد على يد المخابرات العسكرية في الفرع” 215″ بدمشق نتيجة الاهمال الصحي المتعمد إضافة للظروف السيئة لمكان الاعتقال، وقد تم دفنهم في مقابر جماعية”.
أم محمد والدة أحد المعتقلين تروي :” اتصلوا بي من فرع المخابرات لاستلام هوية ابني الذي ادعوا أنه مات بسبب مرض مزمن، مع العلم أنه لم يكن يعاني من أي مرض، لم أستلم جثته وبعد فترة اكتشفنا أنه دفن بمقبرة جماعية مع معتقلين آخرين”.
أما عن معاناة الأهالي حين يقوم الطيران بقصف التجمعات السكنية، وهنا تبدأ رحلة البحث عن الأحبة وبالكاد تحملهم أرجلهم إلى مكان المجزرة وكلما فشلوا في العثور عن أقاربهم ينهاروا في البكاء.
يقول أحد المسعفين في دوما :”عندما كنت أسعف أحد الأطفال شدني مشهد امرأة تكشف عن وجوه الضحايا باحثة عن ابنها المفقود، لا تحملها قدماها على السير كلما رأت أشلاء تنهار بالبكاء، وطفل مصاب يبحث عن أبيه الذي تحول لأشلاء”.
ضاقت القبور بالموتى، فلم يعد هناك متسع لاستقبال المزيد، فلا أكفان ولا قبور، لذلك لجأ بعض الناس لدفن موتاهم في المزارع والبساتين وحدائق المنازل أو في مقبرة بعيدة عن مدينته.
توفي خالد أثناء اقتحام الجيش لمدينة أريحا قبل تحريرها تروي أمه معاناتها في دفن ابنها :”لم نستطع الخروج من المنزل لأيام فقمنا بدفن خالد في حديقة المنزل “.
في أغلب الأحيان يضطر الأهالي لدفن موتاهم بمناطق بعيدة عن مدينتهم بسبب الحواجز وصعوبة نقلهم .
تقول أم رامي نازحة من حلب في ادلب:” توفي زوجي إثر إصابته بشظايا من قذيفة الطيران في وسط السوق بإدلب، لم أستطع نقله لحلب ولم يحضر أحد من أهله بسبب الحواجز و مسافة الطريق الطويلة فاضطررت لدفنه في ادلب”.
مئات النساء ممن فقدن أزواجهن وأولادهن وآخرين يجلسوا بجانب قبور أحبة لهم يحدثوهم وكأنهم أحياء، لم يموتوا فعلا إنما الضمير العالمي هو الذي مات، نأسف لإزعاجكم بهذه المشاهد البشعة كما زعمتم.
تخاذل العالم بموقفه أمام هذه المجازر، فلم يعد نبأ استشهاد المئات من السوريين يستدعي أكثر من مروره في مؤخرات نشرات الأخبار أو في شريط اخباري لأقل من دقيقة.
لقد أصبح موت السوريين أمرا اعتيادياً مع تحول هذه الأزمة إلى أسوء أزمة انسانية منذ الحرب العالمية الثانية، وكذلك عجز المجتمع الدولي عن إيجاد حلول جذرية لهذه المأساة.
المركز الصحفي السوري – سلوى عبد الرحمن