المركز الصحفي السوري
إبراهيم الإسماعيل 13/6/ 2015
استيقظ باكراً مع أذان الفجر ثم فتح خزانته ليرتدي ملابسه، ويذهب للمسجد ليؤدي صلاة الفجر مع رفاقه، لينطلقوا لمعركة جديدة.
أحمد شاب في بداية حياته بلغ من العمر 25 عاماً كان أحد طلاب جامعة حلب، ثم ترك جامعته في السنة الثانية من الثورة، ليلتحق بكتائب الثوار، لقتال هذا النظام القاتل الذي سلبه أخاه وأباه، عندما قصف بلدته كفرعويد في ريف إدلب الغربي، مع العلم أن هذه البلدة من أولى بلدات ريف إدلب التي شاركت في الثورة، حيث قامت بها المظاهرات التي نددت بسقوط النظام، مما دفع النظام بوضع حواجزه العسكرية، على أطراف البلدة وفي داخلها في سبيل إخماد هذا الشعب الثائر، هذا وقد استخدم سلاحه الثقيل من دبابات وآليات عسكرية، وأصبح يعتقل كل من خرج في المظاهرات، ويقتل الشيخ والطفل والمرأة والشاب دون أي تفريق أو تفكير ، وبقي هذا إلى أن تحررت القرية من جنود النظام في عام 2012.
هذا وقد أكمل ابن هذه البلدة أحمد منذ بدية خرجه حيث لم يترك معركة قريبة ولا بعيدة إلا والتحق بها هو ورفاقه من نفس القرية، وفي الشهر الثالث من هذا العام ذهب أحمد إلى المعركة الأولى من نوعها معركة تحرير إدلب التي كانت تضم الكثير من الثوار المقاتلين، حيث كان المكان يضج بأصوات الرصاص والبراميل المتفجرة وصواريخ الطائرات الحربية، وأصوات التكبير والدعاء، وبعد بدء الاقتحام وبعد تحرير قسم كبير من المدينة، حدث الحادث المؤلم الذي أحزن الموجودين وفاضت عينهم بالدمع، حيث سقط برميل متفجر حاقد أدى إلى إصابة أحمد إصابة خطيرة.
هذا الشاب المجاهد الذي ترك بصمة على جباه الأعداء لا تنسى أبداً، ودمائه قد بللت ثيابه وسلاحه، هذا البطل الذي أبى أن يترك ساحة المعركة، بعدما أيقن أن لا نجاة من إصابته ولا مفر من الموت وقد ارتسمت البسمة على شفاهه فرحاً بما أصابه، عجباً لهذا الشاب الذي يرى بالموت فرحاً، حيث يجد أحمد بالموت طريقاً مختصراً ليحقق ما كان يتمناه عندما كان بجامعته وهو رؤية والده وأخاه الذين دفنا دون أن يراهما، رغم أنوف القاتلين الحاقدين.
هذا وقد بقي أحمد حتى أخر قطرة من دمه الطاهر الذكي الذي روى فيه أرض إدلب الطاهرة، وقد ترك أحمد أثرا كبيراً عند رفاقه الذين قاموا بتشييع رفيقهم ودموعهم تجرح خدودهم السمراء، وعادوا به إلى منزله المهدم بفعل نفس السلاح الذي قتل به البراميل الحاقدة، لتستقبله أمه الحنونة بدموع فاضت دماء ولدها مع الحزن الذي خيم على أرجاء بلدته وأصوات التكبير التي ملأت سماء البلدة وصراخ النساء ودموع الأطفال البريئة التي أدمعت دون معرفة ماذا يجرى.
بعدها نقل أحمد إلى الجامع ليصلى عليه ثم إلى المقبرة ليدفن جنب أخيه وأبيه الذي حرمته الطائرات الغاشمة وبراميلها من حنانهما، ومع العلم أن هذه الطائرات قتلت ودمرت عدداً كبيراً من المنازل والقرى والمدن بفعل براميلها المتفجرة التي يصنعها النظام وحلفائه من موادٍ شديدة الانفجار والكثير من قطع الحديد الحادة والمسامير وغيرها من الخردوات ذات الرؤوس الجارحة.
وقد بدأت هذه الطا ئرات بالخروج منذ بداية الثورة في عام 2011 وحتى اليوم وهي تخرج من عدة مطارات منها وأهمها مطار حماة العسكري الذي يعد ثاني أكبر المطارات في سوريا، والذي يحوي نوعين من الطائرات الحربية والمروحية، وإلى الآن تخرج هذه الطائرات لتقوم بمهامها في القتل والتدمير كما شاهدنا ونشاهد مع كل يوم يمر، هذا وقد شهدت القرية استهداف متكرر ومكثف من طائرات النظام، مما أدى لمجازر كبيرة راح ضحيتها أكثر من 48 شهيداً بينهم 17 طفلاً، ليس هذه المجزرة الأولى من نوعها حيث قامت قوات النظام في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2011 بعمل مجزرة راح ضحيتها أكثر من 111 شخصاً حسب أحد الناجين في مكان المجزرة، وتتميز هذه القرية بشيء من الخصوصية (مقبرة الشهداء ووادي بدمايا) التي حصلت بها المجزرة والتي أصبحت رمزاً للشهداء.
وقد وصل عدد الشهداء التقديري في سوريا حسب الإحصائيات الأخيرة المرفقة، حتى نهاية كانون الثاني/يناير لعام 2014 إلى210 ألاف شهيد(80 بالمائة منهم مدنيين) بينهم 2000 فلسطيني، و 13 ألف طفل و 12 ألف من النساء و 15 ألف شهيد تحت التعذيب، وقد بلغ عدد المعتقلين التقريبي الى أكثر من 253 ألف معتقل.
وحتى اليوم فالمجازر والقتل والدمار والاعتقال، لم يتوقف بل على العكس تماماً فقد يزداد المعدل مع كل يوم جديد، ولا سيما في ظل الأحداث الأخيرة التي تلت تحرير إدلب وريفها.
مع كل ما سبق فالحياة مستمرة والسوريين متفائلين بغد أفضل، وأجمل وحياة حرة كريمة بعيدة عن مظاهر الدماء، والدمار وأصوات البراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية، حيث يمارس الناس حياتهم دون يأس وبهمم عالية حالمين بالمستقبل الحر والذي بات هذا قريباً، مع الانتصارات الأخيرة التي حققها ثوار سوريا.