بعبارة “يارب تكون معي” الممزوجة بعبرة البكاء تنطقها طفلة صغيرة يحاول فريق الدفاع المدني في مدينة حلب استخراجها من تحت الأنقاض في إحدى البنايات التي أتت عليها صواريخ الموت من طائرات النظام السوري وحليفه الروسي التي تشن حرب إبادة غير مسبوقة على المدينة منذ عشرة أيام خلفت مئات الشهداء وعشرات الجرحى.
هذه الطفلة التي يظهرها شريط الفيديو المصور قدر لها أن تعيش من جديد ولكن أي حياة ستعيشها هذه الطفلة بعد أن فقدت كل معيل، فهي بلا شك ستبدأ فصلاً جديداً من فصول معاناة من نوع مختلف، هذه المعاناة التي تتشابه فيها مع مئات الآلاف من الأطفال السوريين الذين شردتهم هذه الحرب وقضت على آمالهم في العيش بسلام والحصول على مقومات الحياة الكريمة التي كفلتها كل الشرائع والقوانين.
كما يظهر شريط الفيديو أيضا ردة فعل فريق الدفاع المدني الذي انتشل الطفلة، حيث يهدئ من روعها وبأدوات بسيطة يتمكن الفريق من إنقاذ الطفلة والدموع تنهمل من عيونهم مع صيحات التكبير التي تعلو المكان، إنها لحظات فيها من التراجيديا والكوميديا السوداء ما لا يمكن أن تجده في أي مكان في العالم إلا في سوريا، هذه التراجيديا التي تحولت إلى لعبة قذرة بيد الدول الكبرى التي تحاول إسكات صوت الحرية الذي صدحت به حناجر المتظاهرين السوريين منذ 15 من آذار/مارس عام 2011.
ما لا يمكن تصوره هو كيف أن موسكو وواشنطن اتفقتا من خلال اتصال هاتفي بين كيري ولافروف على هدنة في ريفي دمشق واللاذقية مستثنيتين مدينة حلب بالكامل، وهي محط أنظار العالم كله نتيجة ما تتعرض له من إبادة ممنهجة.
واليوم من المنتظر أن يلتقي جون كيري في جنيف مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير والأردني ناصر الجودة لبحث الوضع في سوريا، حيث اعتبر كيري أن “إنقاذ الهدنة هو من أهم أولويات واشنطن في المرحلة الراهنة”، ولكن نسأل هنا الوزير كيري إن كان لا زال يعتبر الهدنة موجودة أصلاً، أم أن كل هذه المشاهد المروعة في حلب لا تعدو لعبة بلاي ستيشن أبطالها أطفال المدينة ونساؤها وشيوخها، أي عهر سياسي وتواطؤ مفضوح وصلنا إليه في هذه الكارثة الإنسانية التي لم تشهد لها البشرية مثيلاً، حيث لم يستطع مجلس الأمن حتى الآن إصدار بيان واحد يدين إرهاب نظام الأسد وميليشياته، وهو ما أكده زيد بن رعد بن الحسين مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان قبل يومين حيث قال:”إخفاق مجلس الأمن الدولي المستمر في إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية يعد مثالا على أكثر أشكال الواقعية السياسية خزياً.”
كما أن دعوة وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني لعقد جلسة في الجامعة العربية على مستوى المندوبين الأربعاء المقبل لا تعدو محاولة يائسة لحفظ ماء الوجه أمام ما يحدث من مجازر، ناهيك عن المحاولات الأخرى من دول عربية لترسيخ العلاقات مع النظام السوري لا سيما الجزائر التي زار مسؤولها العاصمة دمشق قبل أيام.
إن هذه الاجتماعات الدولية والعربية والسعي من قبل واشنطن وموسكو لفرض هدنة جديدة في سوريا ما هي إلا فرصة لنظام الأسد وحلفائه لإمداده بالأسلحة والعتاد والرجال لإتمام محاولاته لفرض السيطرة والحصار على كامل الأراضي السورية الثائرة، فلا جنيف ولا غيره من محاولات التوصل لحل سياسي ستجدي نفعاً في ظل هذا الوضع الراهن والتعنت الروسي الواضح والانبطاح الأمريكي خلف الموقف الروسي والتصريحات العربية والتركية التي لاتسمن ولاتغني من جوع.
كم من المشاهد الوحشية المروعة القادمة من حلب والمدن السورية سيرى العالم، وأي نفاق سياسي واستهتار غريب بدماء السوريين دون أن يهتز ضمير العالم الذي يدعي الإنسانية، قالها السوريون منذ البداية ولا زالوا يرددونها:” يا الله ما لنا غيرك يا الله”، إنها الثورة اليتيمة والمأساة الماثلة بأبشع صورها في القرن الحادي والعشرين.
https://youtu.be/uD0iiH1jl_8
المركز الصحفي السوري
عاصم الإدلبي