على شرفة ليلها تطيل الحلم والانتظار لم تمل الأمل رغم مرور الدقائق وكأنها عقود من الوجع والغياب تشعر بأنفاسه تسري في شرايين هذا الليل فتمنحها الدفء والراحة.
تمد يداً مرتعشة لتلمس بطنها الذي يغفو داخله جنينها وتحاول أن تستمد من دقات قلبه الصغير شحنة إضافية من القوة وتخبره بأن لا يقلق فوالده سيعود قريباً فهو لم يخذلها مرة لقد كان دائماً يفي بوعوده لها وقد أخبرها بأنه لن يتخلى عنها مهما حدث وكان دائماً كذلك قريباً من روحها يساندها ويمسح دمعتها ويشاركها بسمتها لذلك هي واثقة من عودته.
تستعيد تفاصيل حبهما منذ تفتح براعمه الأولى وتتذكر حلاوة قبلاتهما المسروقة تحت شجرة الزيتون في منزلها بعيداً عن أعين أهلها وتحن لتلك الطرقات التي مشت فيها معه وهو يرافقها لمدرستها في ذهابها وإيابها.
وكلما كبرا يوماً كبر حبهما دهراً ونمت أحلامهما كعريشة ياسمين تنثر أريجها في فضاء قلبيهما، تنتفض مذعورة من اغفاءتها حين تتلون تلك الياسمينة بلون دمه ويرتجف قلبها كفراشة أثقل جناحيها برد الوحدة.
كم مرة بقيت مستيقظة طوال الليل تراقبه نائماً مطمئناً وهي تعجز عن النوم خشية أن يدخل الأمن ويعتقله ولا تتمكن من إيقاظه ومساعدته على الهروب من المنزل وحين يستيقظ ويراها على هذه الحالة يضمها مبتسماً لصدره ليهمس قلبه لها لا تخافي.
لم يكن صباح سراقب اليوم كغيره من الأيام السابقة فقد استيقظت من نومها مذعورة وحين لم تجده بقربها شعرت بضيق شديد ليس من عادته أن يغادر فراشها قبل أن يوقظها بقبلته وابتسامته ويحتسي معها قهوتها الصباحية ثم يذهب لعمله صعدت إلى سطح منزلها كان هواء آذار ثقيلا ومرتابا من مجهول قادم تلفتت حولها في الشوارع الصامتة التي تنبض خوفا ووحشة عادت لغرفتها قلقة ثم سمعت صوتا قويا اهتزت له جدران منزلها فهرعت للخارج فتلاقت عينيها مع عيون شاب يركض مسرعا وهو يصرخ يا ناس لقد اقتحم الجيش سراقب يا ناس يا…
وغاب صوته عن أذنيها حين ارتفعت دقات قلبها لتطغى على صوت القنابل التي تقذفها الدبابات
وتوالت الأيام والشهور لتلتهم بقايا أملها في عودته وقد أصبح جنينها الأن طفلاً في عامه الثالث تطاردها نظراته التي تطالبها بالإيفاء بوعدها له حين كان جنيناً وتحولت حروفه الصغيرة حين يبكي وينادي بابا إلى سياط تجلد صبرها الذي نفذ.
كم مرة سألت نفسها ترى ماذا فعلوا به؟
كم عذبوه؟
هل مازال على قيد الحياة أم أنه استشهد كغيره تحت التعذيب؟
لم تمحو الأحداث التالية التي مرت عليها رغم قسوتها تاريخ ذاك اليوم الثالث والعشرون من شهر آذار لعام 2012 ورغم كل ما حل بسراقب من قتل وتدمير وتشريد وفقدان للأهل والأقارب والأصدقاء إلا أن وجع اعتقال زوجها هو المؤلم أكثر في نظرها
تضم طفلها لصدرها ودموعها تنهمر فوق ليل شعره الناعم وتشعر بقلبها يخبو كضوء شمعة تترنح جراء تلقيها صفعات قاسية من يد الشوق والمرض.
إن كان هو عاجزاً عن الإيفاء بعهده والعودة إليها فلماذا لا ترحل إليه وتلتقيه بعيداً عن صخب الموت اليومي الذي تحياه؟
أغمضت عينيها بهدوء حاملة معها آخر ابتسامة من ثغر طفلها ورحلت تاركة خلفها ذاك العصفور على شرفة الصبح يرقب أحلامها ويغفر لها خطيئتها، ضفرت شعرها الطويل وارتدت فرحة اللقاء وشاحاً قرمزياً من الحنين والشوق وحثت خطاها صوب نجمة الصبح حيث كان ينتظرها بلهفة.
المصدر: جريدة زيتون