حسناً فعل لبنان بفرض فيزا على السوريين. هكذا تنتهي حفلة التكاذب الأخوي. من مصلحة النازح السوري ألا يأتي إلى لبنان. فالناجي من جحيم الإرهاب، والهارب من جهنم النظام، سيجد نفسه لاجئا إلى هاوية عنصرية اسمها لبنان. خسارته ستكون مضاعفة، وأمله بحياة لائقة سيكون منعدما.
كان السوري طالب الرزق العادي يرى في لبنان أخوة وأشقاء. غالبية السوريين شبت على مقولة شعب واحد في دولتين، وكذلك غالبية اللبنانيين لا تعرف الداخل السوري إلا بصفته امتدادا لها. عرف الشعب الواحد سيئات الحكام في البلدين، واختبر عمق العلاقة بالحديد والنار. الحكام يذهبون والروابط تبقى. العابرون يومياً، صبح مساء، عبر المصنع وجوسية والدبوسية أو العريضة، وفي الاتجاهين لرؤية قريب، أو للبحث عن عمل، أو لشراء حاجيات أو دواء أو غذاء أرخص ثمناً، هم العلاقات والروابط والأشقاء.
حسناً فعل لبنان. النازح السوري يكفيه ما ابتُلِيَ به. ومن القهر أن نمطره بمحاضرات عن مقارنات كاذبة بيننا وبين دول النزوح الأخرى. أحوال النازحين في الأردن أفضل من أحوالهم في ربوعنا، صحيح هم في مخيمات، ولكن تحت رعاية دولية تعفيهم ذل السؤال. أما في تركيا المتورطة بالحرب على سوريا، بما هو أكبر من تورط لبنان، فلم يعد ينقص النازح السوري سوى التصويت في الانتخابات، ليتساوى بالحقوق مع المواطن التركي. وما تقدمه الدول الأوروبية وغيرها للسوريين، يُخجِل العربَ والمسلمين. ويكفي لافتة الترحيب بالسوريين التي رفعت في مطار سويدي وكتب فيها: «أهلا بالسويديين الجدد».
حسناً فعل لبنان. تخيلوا السوري الذي ولد وعاش ومات على صوت فيروز ووديع الصافي، لو أتيحت له فرصة دخول لبنان، وقرأ في صحفه عن لون بشرة النازح، ولهجته ورائحته. بالتأكيد لفضّل العودة. من المفترض، أن نشكر هذا النازح الذي أغنى ذائقة اللبنانيين بموسيقى جديدة، ورفع مستوى مطابخهم بطعمات منوعة ونكهات متعددة تتسرب من عشرات المطاعم، وأعاد الحياة إلى معارضهم الصغيرة، ووزع في قاعاتهم فناً ولوحات وألوانا مختلفة.
أتاح لنا النازحون السوريون إعادة التعرف إلى شقيق عكّرت السياسة علاقتنا به، وحولنا مرافئنا ومعابرنا إلى شريان سلاح إليه، وذهب شبابنا ليقاتلوا فيه على جبهات متواجهة. في المقابل، رفعنا عليه سيف «الفيزا»، وبحجة لا يقبلها عقل. كأن الذي يمول الإرهاب عاجز عن تأمين حجز فندق، أو قاصر عن توفير ألف دولار.
حسناً فعل لبنان. هو أغلق الحدود بوجه السوري الذي أحب لبنان ولا يزال يرى فيه شقيقاً أصغر مشاكساً. من حسن طالع النازح السوري ألا يأتي ليسمع اللبنانيين يتهمونه بأنه يريد الاستقرار في بلدهم وتغيير الديموغرافيا فيه. هو اعتاد على طبابة واستشفاء وتعليم مجاني وبمستويات عالية، فلماذا يريد دولة الغذاء والدواء والشهادة الفاسدة الباهظة الثمن.
حسنا فعل لبنان. أغلق حدوده في وجه الذين بنوا بيوته ومدوا طرقاته. كنا سنخجل من النظر في أعينهم. لو كنا في بلد يحترم ذاته لقلنا: «نحن كلنا سوريون».