كشفت مصادر ديبلوماسية غربية متطابقة لـ «الحياة» أمس، أن خلافاً بين روسيا وإيران ظهر في اجتماع المجلس التنفيذي لـ «المنظمة الدولية لحظر السلاح الكيماوي» إزاء تأكيد تقرير لجنة تقصّي الحقائق، استخدام الكلور في ثلاث قرى في وسط سورية وشمالها الغربي، ومناقشة نتائج التحقيق سياسياً في مجلس الأمن، ذلك وسط أنباء عن «مؤشرات لبداية البحث عن تفاهم أميركي – روسي» حول سورية.
وكان المدير العام لـ «المنظمة الدولية لحظر السلاح الكيماوي» السفير أحمد أوزومجو، شكّل بعثة تقصّي حقائق بمزاعم استخدام الكلور في قرى كفرزيتا في حماة وسط البلاد، وتلمنس والتمانعة في ريف إدلب، بين نيسان (أبريل) وآب (أغسطس) الماضيين. وأصدرت البعثة ثلاثة تقارير نوقش آخرها في اجتماع المجلس التنفيذي في لاهاي قبل أيام.
ولم تكن صلاحية التحقيق باستخدام الكلور، وهو مادة كيماوية سامة، ضمن تفويض البعثة المشتركة للوكالة ومنظّمة الأمم المتحدة، بموجب القرار 2118 للتحقّق من التخلص من الترسانة الكيماوية السورية، وكان آخرها خطواتها البدء بتدمير الهنغارات والأنفاق الـ 12 المتبقة في سورية.
ووفق التقرير الثاني، فإن البعثة توصلت الى «أدلة دامغة» على أن الكلور السام استُخدم «في شكل مكرّر ومنتظم». ونقلت وكالة «رويترز» عن التقرير، أن «التحقيقات حول المادة المستخدمة، من حيث الوصف والخصائص الفيزيائية والعلامات والأعراض الناجمة عن التعرّض، فضلاً عن استجابة المرضى للعلاج، تقود الى درجة عالية من الثقة في أنها مادة الكلور، واستُخدمت إما نقية أو في خليط».
ووفق المصادر، فإن التقرير الثالث للبعثة، أكد بـ»درجة عالية من الثقة»، استخدام الكلور من دون تحديد هوية من استخدمه، لأن ذلك ليس من صلاحيات البعثة الفنية، مشيراً الى اتهامات نشطاء وأهالي القوات النظامية بالمسؤولية عن استخدامه، ونفي الحكومة ذلك. وأضاف أن الاجتماعات السابقة للمجلس التنفيذي، «لم تسمح بوجود ظروف لأي إجراء أميركي – روسي مشترك، لكن يبدو أن هذا الأمر تغيّر الآن، إذ إنهما اتفقا على مشروع قرار من المجلس التنفيذي للوكالة الدولية لحظر الكيماوي»، مشيراً الى «تفاهم لمناقشة خلاصات البعثة سياسياً في مجلس الأمن». وقال ديبلوماسي غربي، «إن ممثل إيران في المنظمة رفض صدور القرار واللغة الواردة فيه، إذ إنه كان يريد الاكتفاء بتقرير اللجنة كما حصل سابقاً وتركه في المجال الفني، على عكس الجانب الروسي الذي دعم صدور القرار».
وتضمّن قرار المجلس التنفيذي، الإعراب عن «القلق الشديد إزاء النتائج التي توصّلت إليها بعثة تقصي الحقائق، حول وجود درجة عالية من الثقة في أن الكلور استُخدم كسلاح في ثلاث قرى سورية بين نيسان وآب الماضيين»، وأكّد «إدانة استخدام الأسلحة الكيماوية من أي شخص تحت أي ظرف من الظروف»، باعتبار أن ذلك «أمر غير مقبول وانتهاك للقانون الدولي»، إضافة الى ضرورة «محاسبة» الأشخاص المسؤولين عن استخدام السلاح الكيماوي.
وأعرب المجلس أيضاً عن «دعم استمرار عمل البعثة»، داعياً جميع الأطراف التي سيتم تناولها من جانب البعثة، الى «مد يد التعاون الكامل للبعثة لضمان إكمال عملها في شكل آمن وفاعل». وقال أوزومجو: «هذا القرار يجعل من الواضح تماماً أن الأسلحة الكيماوية غير قانونية، وأن استخدامها لن يتم التسامح به تحت أي ظرف من الظروف».
وكان لافتاً تضمُّن القرار أن المدير العام للمنظمة سيرفق نتائج لجنة تقصّي الحقائق والقرار التنفيذي، بتقرير الى مجلس الأمن عبر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إزاء تنفيذ القرار 2118 الصادر في خريف 2013 حول الترسانة الكيماوية، فيما أرسل التقريرين السابقين الى الأمين العام.
وتباين موقفا الحكومة السورية والمعارضة إزاء ذلك، إذ إن نائب وزير الخارجية فيصل المقداد، قال خلال زيارة الى طهران قبل يومين، إن الحكومة «أنجزت التزاماتها بالملف الكيماوي»، مشدداً على ضرورة «إبعاده عن التسييس، وإبقاء مناقشته ضمن المنظمة الدولية» وليس في مجلس الأمن، ذلك بعدما لفت الى ضرورة «إزالة الطابع الاستثنائي للملف الكيماوي السوري بعدما أوفت الحكومة بالتزاماتها»، في إشارة الى التخلّص من الترسانة وبدء تدمير الـ 12 موقعاً. ويعتقد مسؤولون سوريون بوجود «مساع غربية لإبقاء الملف الكيماوي مفتوحاً لاستمرار الضغوط».
في المقابل، قال الرئيس السابق لـ «الائتلاف الوطني السوري» المعارض هادي البحرة، إنه «يرحب بقرار المجلس التنفيذي للمنظمة إدانة استخدام غاز الكلور ضد المدنيين من جانب النظام» السوري، منتقداً «الدور السلبي» لإيران. كما لفت الى إحالة تقرير البعثة إلى مجلس الأمن، و»التأكد من إكمال البعثة الأممية مهمتها في تدمير المنشآت الكيماوية وتفكيكها».
في نيويورك (الحياة)، شدّد ديبلوماسيون غربيون في مجلس الأمن على ضرورة «تحديد الجهات» التي استخدمت الكلور. وقال ديبلوماسي غربي إن «قرار المنظمة دان استخدام الكلورين، وشدّد على ضرورة المحاسبة، لكن المنظّمة لا تتمتع بصلاحية تحديد المسؤوليات، وتالياً إحالة المرتكبين الى المحاسبة القانونية، وهو ما يحتم إعادة الملف الى مجلس الأمن».
وكان مقرراً أن يبحث مجلس الأمن ملف الأسلحة الكيماوية في سورية في جلسة مغلقة، إضافة الى إيجاز السفير الروسي فيتالي تشوركين، لأعضاء المجلس، نتائج الحوار السوري في «منتدى موسكو». وقال معارض لـ «الحياة»، إن الحوار حقّق ثلاث نتائج: «الاتفاق على عقد الجولة الثانية في موسكو وليس دمشق كما طالب النظام بداية الشهر المقبل، دعوة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، وتحديد جدول أعمال الحوار ومواضيعه».
وقال مسؤول غربي أمس: «هناك إشارات أميركية – روسية لمحاولة بدء التعاون في الملف السوري، بينها دعم وزير الخارجية الأميركية جون كيري الدور الروسي في الحوار، ودعم روسيا قرار المنظمة الدولية لحظر الكيماوي، إضافة الى تعاونها لإصدار قرار دولي يخنق تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) ماليا»، ذلك بعد توقّف التعاون بينهما وإنهاء مفاوضات جنيف في بداية العام الماضي.