اتفقت أن التاريخ يسجل أبشع إبادة جماعية لشعب أعزل
واصلت الصحف العربية الصادرة الأسبوع الماضي جل اهتماماتها بالحديث عن الثورة وتداعياتها الخطيرة التي لا تحمد عقباها. فبعد مضي أكثر من 5 سنوات يزداد
الأمر سوءا يوما تلو الآخر. فمن جهتها قالت بعض الصحف إنه حينما قامت روسيا بالتدخل العسكري في سوريا راهن بوتن رهانا خاسرا على نجاح نظام بشار الأسد والميليشيات في إحراز نصر عسكري، لكنه لم يعلم بأنه أسهم من حيث لا يدري بحدوث اختراق جديد للثوار أسهم في تغيير الأوضاع بشكل غير مسبوق، وتغيير شكل المعادلة العسكرية والسياسية.
ومن جانبها استنكرت بعض الصحف الصمت الدولي تجاه ما يحدث في الأراضي السورية، وأضافت أن مجلس الأمن الدولي الذي تأسس منذ البداية على مبدأ التدخل ضد الدول لحماية مجتمعاتها منها، أو لحماية دول من دول أخرى معتدية. يبدو أنه يستثني سوريا استثناء غريبا. رغم استعمال النظام السوري الأسلحة المحرمة دوليا لإبادة شعبه.
وفي ذات السياق رأت بعض الصحف أن التاريخ البشري يسجل أبشع مشاهد ممكنة من إبادة جماعات بشرية وتدمير كامل للمدن والحضارة وتطهير عرقي للبلاد، وتابعت أن تحرير حلب من يد من تلوثت أيديهم بالدماء سيكون له مردود في غاية الأهمية الفترة المقبلة.
ففي هذا الشأن قالت صحيفة القدس العربي في إحدى افتتاحياتها إن المعارك العسكرية المتعددة الأشكال والأطراف والأهداف، وكذلك الجو السياسي المحموم الذي يحيط الوضع في سوريا والأقاليم المحيطة بها تعكس حالة كبيرة من التعقيد الشديد المنذر بالتفاقم.
وأضافت القدس من جهة أخرى يمكن تلمس عناصر سياسية مستجدة قد تفتح الطريق إلى بعض التغيير في الاستعصاء الكبير الحاصل في سوريا تتعلق أساساً بالأطراف الرئيسية الخارجية التي تمسك الكثير من أوراق اللعبة السورية، وكذلك بوجهة العمليات الحربية داخل سوريا نفسها.
وتابعت ما كان لهذه الأطراف الرئيسية الكبرى في الخارج أن تتحرك لولا معركة حلب الأخيرة التي استطاعت خلالها المعارضة السورية فك الحصار عن المناطق التي تسيطر عليها بعد هجوم كبير على امتداد 20 كيلومترا أدى لاستيلائها على منطقة الراموسة الصعبة والتي تحتوي عدة كليات عسكرية (المدفعية، الكلية الفنية الجوية، التسليح)، وكذلك معركة منبج التي استطاع خلالها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المدعوم أميركيا من طرد تنظيم «الدولة الإسلامية» والاقتراب عمليا من خط الحدود التركية.
وأضافت أن معركة حلب شكلت أيضاً أساساً ليكون لقاء الرئيسين التركي، رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتن، فرصة نادرة لعقلنة الآمال الروسية بالقضاء على المعارضة السورية وفرض شروط النظام عليها، وللعودة إلى برودة الوقائع الاقتصادية والسياسية التي يمكن أن تفيد الطرفين وتحد أماني الإلغاء والتدمير التي ارتفعت أسهمها مع إسقاط تركيا لطائرة سوخوي روسية والانتقام الروسي الشرس من الأتراك الذي جرى بعدها في جبل التركمان ومناطق سورية أخرى، وانعكس بعقوبات اقتصادية وحملات إعلامية أضرت بالطرفين.
وأضافت لقد كان لافتاً ما أعلن مؤخرا من جانب وكالة الإعلام الروسية أن عملا عسكريا أميركيا روسيا مشتركاً سيبدأ في حلب سيستهدف «الفصائل المتطرفة»، وترافق ذلك مع تصريح آخر لنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف يقول فيه إنه سيجتمع مع ممثلين للمعارضة السورية بالعاصمة القطرية (وهو ما نفته هيئة المفاوضات العليا)، كما تواترت أنباء عن لقاء سري تم برعاية إقليمية بين بعض فصائل الجيش الحر ومندوب عسكري روسي قبل أيام عرض فيه الروس وقف الدعم لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، والسماح بمواجهة هذه الفصائل للحزب المذكور عسكرياً إذا حاول التقدم لمناطقهم، وهو ما قرأته الفصائل السورية باعتباره مناورة تستهدف تشتيت جهد المعارضة السورية وإبعادها عن قتال النظام.
واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بقولها إن تفاؤل الطرف التركي، بهذا المعنى بـ «تحقيق حل نهائي» للوضع في سوريا قد يكون مبالغاً فيه وعجلة التغيير التي أطلقتها مباحثات المسؤولين الأتراك مع روسيا قد تتعطل حين تصطدم المناورات الروسية والآمال التركية بالوقائع الصلدة على الأرض.. وبتحركات أطراف أخرى وازنة كالولايات المتحدة الأميركية وإيران.
.. ومن جانبها قالت صحيفة المستقبل اللبنانية في إحدى افتتاحياتها لقد تدرج «حزب الله» في تبريراته لغرقه في النكبة السورية من حماية خطوط «المقاومة» إلى حماية المقدسات والمزارات الدينية (وهي الموجودة منذ قرون) إلى حماية اللبنانيين وأملاكهم في الداخل السوري (القصير) إلى منع سقوط سوريا في أيدي الإسرائيليين والأميركيين، إلى استباق وصول «الإرهابيين والتكفيريين» إلى داخل لبنان، مروراً بفتح طريق القدس من حلب وجوارها، وصولاً بالأمس القريب إلى إفشال مشروع «شرق أوسط جديد ثان»، على ما قال أحد قادته من البقاع.
وتابعت لكن ذلك كله، لو يدري هذا الحزب، لم يكف لتغطية الحقيقة التي لم يتوان أكثر من مسؤول إيراني عن كشفها، وهي أن إيران تقاتل بمن تعتبرهم أتباعها من اللبنانيين والعراقيين والباكستانيين والأفغان لأنها تعتبر سوريا جزءاً من أملاك «الولي الفقيه» ومركزاً من مراكز نفوذ مشروعه في العالم العربي والإسلامي.. وتعتبر دمشق واحدة من العواصم التي تملك فيها سلطة القرار إلى جانب صنعاء وبغداد وبيروت.
وأضافت المستقبل: كما يمكن بكبسة زر واحدة العودة إلى تصريحات إيرانية كثيرة تحدثت بوضوح عن أن «حدود إيران» صارت من جنوب لبنان، وأن بغداد عادت لتكون عاصمة النفوذ الإيراني مثلما كانت عاصمة «الدولة الساسانية». وأن الحروب المندلعة في الجوار العربي كانت ولا تزال من أهم أسباب الاستقرار الداخلي الإيراني.. إلخ. وغير ذلك من المواقف التي لا تعني شيئاً سوى أن «حزب الله» يفعل ما يفعله في سوريا خدمة لمصلحة إيران وتنفيذاً لأوامر (وفتاوى) مرشدها، وليس شيئاً آخر. لا من أجل مصلحة لبنان، ولا من أجل حفظ خطوط «المقاومة»، ولا درء خطر «الإرهابيين التكفيريين» الذين طلب السيد نصرالله مؤخرا الصلح معهم بالمناسبة.. ولا بفتح طريق القدس، ولا بالعودة إلى اكتشاف ضرورة إفشال شروع شرق أوسط جديد ثان.
واختتمت المستقبل افتتاحيتها بقولها إن تبريرات كثيرة لكن النكبة واحدة. ومن أبرز مظاهرها أن «حزب الله» لم يعد (تقريباً) يجتمع مع الناس في مناطقه إلا في جنازات عناصره الذين يسقطون في سوريا ويتركون خلفهم لوعتين. لوعة خسارتهم كشبان لبنانيين في مقتبل العمر، ولوعة سقوطهم في المكان الغلط وفي المعركة الغلط، خدمة لمصالح إيران ودفاعاً عن طاغية مثل بشار الأسد.
.. وفي إحدى مقالاته بصحيفة الدستور الأردنية تحدث الكاتب ماهر أبوطير عن أزمة اللاجئين خاصة في الأردن مع تدني الوضع الاقتصادي وأضاف أنه من الواضح جدا وجود تغيرات في سياسات الأردن، إزاء الأزمة السورية، وبعض مفاصلها، وتحديدا أزمة اللجوء السوري، وهي أزمة باتت أردنية- سورية، وتترك بصمتها على الداخل الأردني على مستويات متعددة، وهو أمر يلمسه الجميع.
وأضاف أن كلام الملك يخفي مرارة عندما يتحدث عن اللاجئين، تتعلق بخذلان المجتمع الدولي للسوريين أولا، ثم للأردن، على صعيد إدارة الوجود السوري من جهة، فوق المرارة المتعلقة بالاتهامات التي يتم توجيهها للأردن، كونه قام بإغلاق الحدود، وليس أدل على ذلك من تعبيره إذ يقول «ونحن على أتم الاستعداد لتسهيل عبور هؤلاء العالقين لأي دولة تبدي استعدادها لاستضافتهم» وهو كأنه يقول إن الدول التي تصدر تصريحات تندد بإغلاق الحدود، بإمكانها استضافة هؤلاء، لو كانت نياتها حقا تتعلق بإغاثتهم وليس الضغط على الأردن، وترسيمه بصورة اللاإنساني.
وتابع الكاتب ما يمكن أن يقرأه المرء بخصوص الملف السوري، يشير إلى أن الأزمة السورية، باتت في بعض جوانبها أزمة أردنية- سورية، والواضح، أن الأردن غير متفائل بأي دعم للتخفيف من آثار لجوء أكثر من مليون ونصف المليون سوري، والمشكلة من هذه الزاوية حصرا، تتحول إلى أزمة أردنية ضاغطة على مستويات مختلفة اقتصادية وأمنية، كما أن التحليل الآخر يتحدث عن أن التنظيمات المتشددة، تركت أثرا سلبيا على سمعة السوريين، لكون هذه التنظيمات تعمل وسطهم، وقد تتسلل إلى الأردن، تحت اليافطة الإنسانية، وهذا ضرر إضافي أصيب به الشعب السوري، جراء شكوك دول الجوار، في طبيعة ارتباطات الشقيق السوري.
واختتم الكاتب مقالاته بقوله إن أمام هذه الحقائق، يمكن الإقرار هنا، أن الأزمة السورية باتت أزمة مستدامة، وعلى ما يبدو فإن الأردن يقف أمام حقيقة كبيرة، تقول إن ملف اللاجئين، سيبقى ضاغطا لفترة طويلة على الأردن، في ظل عدم توقف الحرب، وفي ظل الكلام عن أن ما بعد الحرب، أسوأ من الحرب، وهذا كله يعني لجوءاً سورياً طويل الأمد يمتد في بعض التقديرات لأكثر من خمسة عشر عاما؛ ما يعني أننا في الأردن لسنا أمام وضع مؤقت.;
العرب القطرية