اهتمت الصحف العربية الصادرة الأسبوع الماضي بالحديث عن الأزمة السورية وتداعياتها الخطيرة التي لا يحمد عقباها أحد. فمن جهتها قالت بعض الصحف: إنه بات من الواضح أن السياسات الدولية للأمم المتحدة لا يمكنها إنتاج تسوية في أفضل الاحتمالات بشأن الأزمة السورية, لأنها تعاملت مع الأزمة بتهاون ولم تتخذ مواقف حازمة تجاه النظام السوري وحلفائه.
ومن جانبها قالت بعض الصحف: القيادة الروسية كانت تسعى دائما لاستعادة نفوذها وهيبتها، وأنها وجدت ضالتها في الأزمة السورية والتدخل العسكري المباشر في سوريا.
وأضافت أيضاً أن الرئيس الروسي وجد التدخل في الحرب السورية تحت عنوان القضاء على الإرهاب وعدم إسقاط الأسد، فرصة لإعادة إثبات الوجود والنفوذ في سوريا, وتابعت هكذا رأى بوتن أن الأوان قد حان لرسم معالم نظام دولي جديد تحتل فيه روسيا موقعاً موازياً لما تحتله الولايات المتحدة, وقد أظهرت الدبلوماسية الروسية كل التعنت في مواجهة الرأي العام الدولي حماية للنظام السوري وإرهابه.
ففي هذا الشأن قالت صحيفة القدس العربي في إحدى افتتاحياتها: لقد بات واضحاً جداً أن روسيا وإيران والنظام السوري قد وضعوا كافة أوراقهم على طاولة معركة حلب.
وأضافت لقد نشرت روسيا ثلاثة آلاف من جنودها حول المدينة، واستدعت طائرات مقاتلة جديدة، فيما قامت إيران وحلفاؤها، بمن فيهم «حزب الله» وميليشيات عراقية عديدة، بالتحشيد والتعبئة والتجهز، واستدعى النظام قواته متجاهلا هجمات المعارضة السورية المسلحة لإشغاله في ريفي حماه ودمشق، واستكمل حصاره لشرق المدينة بعد استعادته منطقة الراموسة والكليات العسكرية فيها، وصب الجميع نيرانهم جواً وأرضاً، مع استهداف للمستشفيات الميدانية والمخابز ومحطات المياه، بحيث يحول حياة السكان والمقاتلين إلى جحيم كامل لا مخرج منه إلا بالسيناريو الذي صار معتاداً: إجلاء المقاتلين بأسلحتهم العادية ثم الاستيلاء على المناطق التي خرجوا منها.
وأضافت القدس غير أن الاستيلاء على شرق حلب لا يشبه بحال ما حصل في داريا، البلدة الصغيرة التي ظلت لسنوات عصية على قوات النظام، وأهميتها تتجاوز أهمية مضايا والزبداني، الضروريتين لاستكمال مشروع «حزب الله» وإيران لتغيير الديموغرافيا السورية، أو حي الوعر الذي تكدس فيه نازحو حمص بعد تدميرها، فحلب هي المدينة الأكبر بعد دمشق.
وتابعت أن سقوط حلب سيكسر التوازن السلبي الذي كانت الولايات المتحدة الأميركية تحرص على استمراره إما بمنع التسليح النوعي للمعارضة والضغط عليها كلما شكلت خطراً على دمشق أو اللاذقية (التي تتركز فيها حاضنة النظام الاجتماعية)، أو بتفويض روسيا شؤون لجم طموحات النظام وإيران، والتزام حيثيات اللعبة الدبلوماسية والعسكرية التي يديرها العملاقان.
وأضافت أن العامل الأساسي في اندفاع روسيا لكسر التوازن لصالحها هو تيقنها الأكيد من أن الولايات المتحدة الأميركية تحت إدارة الرئيس باراك أوباما لا ترغب إطلاقاً في استخدام الوسائل العسكرية لمجابهة روسيا وإيران والنظام، كما أنها غير مقتنعة بتطوير قدرات المعارضة السورية «المعتدلة»، أو بالسماح لحلفائها العرب، بمدها عسكريا لمواجهة الهجوم الكبير عليها من قبل روسيا وإيران وأدواتهما، بما فيها ما تبقى من النظام السوري والميليشيات التابعة له.
وتابعت تبدو هذه اللحظة تعبيراً هائلاً عن شخصيتي وإدارتي الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، الذي أعاد ترتيب شؤون شرعية انتخابية جديدة بعد «الفوز» القوي لحزبه في انتخابات البرلمان الروسي (الدوما) مؤخراً، وانطلق لتسجيل انتصاره المدوي في سوريا، والرئيس الأميركي باراك أوباما صاحب جائزة «نوبل» للسلام، الذي يريد الخروج من التاريخ بـ»سلام» ومن دون حروب دموية كبيرة، كما فعل العديد من أسلافه، وبالأخص جورج دبليو بوش، في أفغانستان والعراق.
وأضافت أن المفارقة الكبرى هي أن استنكاف أوباما عن خوض معركة كبرى مع روسيا، وتركيزه كل جهوده على كسب إيران، وقبلها خططه الفاشلة في الانسحاب من أفغانستان والعراق، وسجله في القتل «النظيف» بطائرات «الدرون»، والعمليات العسكرية النخبوية (كما حصل في اغتيال وإخفاء جثة أسامة بن لادن) فعل أكثر بكثير مما فعله بوش الابن، فقد وسع انتشار دائرة الموت والخراب والإرهاب من أفغانستان والعراق وسوريا إلى كافة أنحاء العالم، ووطد أركان أنظمة الاستبداد، بدءاً من روسيا التي انفتحت شهيتها، من دون أي رادع حقيقي، للتوسع من شبه جزيرة القرم إلى شرق أوكرانيا، وها هي الآن تضع حساباتها الاستراتيجية للسيطرة على الشرق الأوسط انطلاقاً من سوريا.
واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بقولها: إذا تحقق هذا السيناريو فإن أميركا وأوروبا والمنطقة العربية ستواجه سؤالاً كبيرا هو: ما هي خطوة بوتن التالية؟
ومن جهتها قالت صحيفة الرياض السعودية في إحدى افتتاحيتها: إن «هناك تغيرات مخيفة ومزلزلة»، وتابعت تلك كانت آخر ردة فعل روسية على نوايا غير معلنة على احتمال مهاجمة القوات الأميركية للنظام السوري وجيشه، بعد وصول التفاهمات بين واشنطن وموسكو إلى طريق مسدود بشأن التعامل مع ملف الأزمة السورية.
وأضافت أنه عندما تحدثت روسيا عن «تغيرات مخيفة ومزلزلة» فهي لم تقصد سوريا تحديداً، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك قاصدة منطقة الشرق الأوسط برمتها، ولا ندري ما المقصود بتلك التغيرات، هل تعني أن هناك خريطة جديدة للتحالفات أو ضرب المصالح الأميركية في المنطقة؟
وأضافت أنه في كلتا الحالتين نحن المعنيون بالأمر كعالم عربي، لأن تلك التغيرات ستمسنا مباشرة حال حدوثها أو حال تضاربت المصالح الأميركية الروسية، ووصلت إلى حد اتخاذ إجراءات انتقامية من أحد الجانبين أو كليهما، ومما يبدو أن التواجد الروسي والأميركي في الأزمة السورية وصل إلى مفترق طرق، رغم المحاولات المتعددة والاجتماعات المتتالية بين جون كيري وسيرجي لافروف، من أجل التوصل إلى صيغة توافقية يمكن العمل بموجبها دون التركيز على مواقف البلدين من الأزمة في حد ذاتها، لكن حتى تلك الصيغة لم يتم التوصل إليها مما أدى إلى إطلاق التصريح الروسي، الذي لم يكن مبطناً بقدر ما كان مباشراً ويحمل صيغة تهديد لا يمكن إغفالها.
وتابعت نحن في خضم ذلك لا ننسى تصريح الأمير محمد بن نايف أننا مستهدفون وعلينا تحصين أنفسنا، هذا هو الوقت المناسب لنحصن أنفسنا من أي تداعيات قد تنتج عن «الاشتباك» الأميركي الروسي حال حدوثه، وذلك أمر وارد وعلينا وضعه في الحسبان كإجراء لابد من اتخاذه في ظل الأوضاع المتأزمة في المنطقة، التي لا يبدو لها انفراج قريباً، والتصريح الروسي عزز فرضية الحلول البعيدة لقضايا المنطقة، إضافة إلى قرب موسم الانتخابات الرئاسية الأميركية الذي عادة لا تتخذ فيه قرارات كبيرة، بانتظار سيدة أو سيد البيت الأبيض الجديد حسبما تنتج عنه تلك الانتخابات.
واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بقولها: إن التحصين الذي تحدث عنه الأمير محمد بن نايف بالتأكيد لم يكن مصادفاً بقدر ما كان مسؤولا يتحدث عن واقع نعيشه ووجب علينا التعامل معه واتخاذ كل الاحتياطات التي تجعل من بلادنا حصينة ضد أي استهداف يستهدف أمنها واستقرارها ومكتسباتها.
ومن جانه قال الكاتب رفيق خور في إحدى مقالاته بصحيفة الأنوار اللبنانية: إنه لا تناسب في النظر إلى حرب سوريا من زوايا الرئيسين فلاديمير بوتن وباراك أوباما, فما هو في الكرملين مسألة مصالح حيوية داخلية وخارجية في صراع جيوسياسي كبير، هو في البيت الأبيض حرب أهلية بعيدة قليلة التأثير على المصالح الحيوية الأميركية, وهذا ما يكشف بالطبع الفارق بين الحجم الواسع للانخراط الروسي ونوعيته وبين الحجم الضئيل للانخراط الأميركي ونوعيته. ومن الصعب أن تتغير نظرة أوباما، وهو يواجه في نهاية رئاسته التحديات التي حاول الالتفاف من حولها خلال سنوات، وبمساعدة من بوتن.
وأضاف ذلك أن هيلاري كلينتون تروي في مذكراتها خيارات صعبة، أنها أرسلت مذكرة إلى أوباما قبل أن تغادر منصبها كوزيرة للخارجية في ولايته الأولى تتعلق بالعلاقات مع روسيا، كان ما توقعته أن أياماً صعبة أمامنا، وعلاقتنا مع موسكو سوف تسوء جداً قبل أن تصبح أفضل. والمشكلة هي أن بوتن تحت انطباع خاطئ أننا في حاجة إلى روسيا أكثر من حاجة روسيا إلينا، والنصيحة أن القوة والعزم هما اللغة الوحيدة التي يفهمها بوتن.
وتابع اليوم تنتقل واشنطن وموسكو بسرعة من اتفاق كيري – لافروف إلى خلاف حاد وتبادل اتهامات حول من خدع من، وأي طرف تراجع عن تنفيذ ما التزمه، أوباما يطلب من معاونيه تقديم خيارات للرد على اندفاع موسكو في معركة حلب، وبوتن يصر على قرار الاستمرار في المعركة مع التمسك بالاتفاق، بحيث يلعب كل الأدوار: يحاور ويقصف ويتولى مراقبة وقف الأعمال العدائية. لكن أوباما كان ولا يزال يستمع إلى الخيارات التي يقدمها معاونوه في الخارجية والدفاع والأمن القومي والاستخبارات، ثم يرفض الأخذ بأي خيار يخالف رأيه.
واختتم الكاتب مقالاته بقوله إنه من المفارقة أن أوباما يرى بنوع من العدمية العبثية أن الرابح خاسر.;
العرب القطرية