واصلت الصحف العربية الصادرة الأسبوع الماضي جل اهتماماتها بالحديث عن القضية السورية وتداعياتها الخطيرة التي لا يحمد عقباها أحد. فمن جهتها قالت بعض الصحف إنه لا أحد يملك أن ينكر على أي دولة أن تسعى وراء مصالحها ولكن ينبغي أن لا يكون ذلك على حساب استمرار المحرقة في سوريا التي تعجز الكلمات عن وصفها فمن أجل أهداف اقتصادية أو حتى في سبيل حماية مناصب بعض زعماء المنطقة وإبقاء الحرب بعيداً عن مضاربهم يضحي بشعب بأكمله؛ لذلك يتوجب على المجتمع الدولي اتخاذ موقف قوي وحازم تجاه نظام الأسد.
هذا وقد قالت بعض الصحف إن وقائع التدخل الأميركي في الوضع السوري هو أن الإدارة الأميركية منعت أي محاولة حقيقية لنزع الشرعية عن النظام السوري من خلال إفشالها كل خطط المنطقة الآمنة ومنعها إنشاء حكومة مؤقتة للمعارضة داخل الحدود السورية وتراجعها عن قصف النظام بعد استخدامه السلاح الكيماوي ضد شعبه.
ففي هذا الشأن قالت صحيفة «القدس العربي» في إحدى افتتاحيتها إنه لا يختلف موقف الولايات المتحدة الأميركية الحالي من انتهاء موعد 1 يونيو الذي كان موضوعاً كموعد نهائي لالتزام النظام السوري بفتح الطرق لإيصال المساعدات الغذائية والإنسانية للمناطق السورية المحاصرة عن مسلسل طويل من مواقف إدارة الرئيس باراك أوباما في خذلان المعارضة السورية.
وأضافت «القدس» لا يهم هنا إن كانت هذه المعارضة قادرة على دفع تكاليف استعداء الإدارة الأميركية عليها أم لا، فإذا كانت كل الأدلة تقول إن هذه الإدارة معادية للمعارضة السورية فإن وضع الرأس في الرمال والاستمرار في الادعاء أن واشنطن «حليفة» للسوريين ضد نظام بشار الأسد، لن يغير من هذا الواقع شيئاً، بينما إذا حسمت موقفها فإن ذلك، إن لم يحسِّن موقف الإدارة الأميركية فهو سيخفف من تلاعبها بالشأن السوري وسيفقدها بعضاً من المصداقية التي تدعيها.
وشددت «القدس» على أن ما تقوله وقائع التدخل الأميركي في الوضع السوري هو أن الإدارة الأميركية منعت أي محاولة حقيقية لنزع الشرعية عن النظام السوري من خلال إفشالها كل خطط المنطقة الآمنة ومنعها إنشاء حكومة مؤقتة للمعارضة داخل الحدود السورية وتراجعها عن قصف النظام بعد استخدامه السلاح الكيماوي ضد شعبه، وتراجعها المستمر أمام مطالب روسيا وإيران والنظام السوري فيما يتعلق بالمرحلة الانتقالية، وتأكيدها المستمر على أن المفاوضات هي الحل الوحيد للوضع السوري في الوقت الذي لم يكف النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون عن استخدام المجازر والتجويع والحصار ضد المدنيين، وهو ما يجعل الحل «الوحيد» الدبلوماسي الأميركي الذي يريد فريق أوباما – كيري إلزام المعارضة السورية به هو فرض النظام وحلفائه لقراراتهم بالقوة.
وتابعت أن الاستنتاج الخطير الذي كان يجب أن تخرج به المعارضة السورية من المواقف الأميركية هو أن واشنطن، في الحقيقة، لا تفعل غير أن تسحب المعارضة السورية تدريجياً للقبول بالحل الروسي – الإيراني، وأن كل ما كانت تقوله، على الأقل منذ ما بعد جنيف1 وتصاعد قوة تنظيم «الدولة الإسلامية» وتوقيع الاتفاق مع إيران، يصب، سوريا، في منحى إعادة تأهيل النظام السوري، لأن الأولوية الأميركية صارت ضرب «تنظيم الدولة»، من جهة، وتطبيع العلاقات مع إيران، من جهة أخرى، وكلا الهدفين يفترضان مساومة إيران وروسيا والحفاظ على النظام السوري.
وأضافت أنه بناء على هذه الخلفية يمكن فهم ما يجري على الساحتين السورية والعراقية حالياً، ويمكن أيضاً تأكيد أن سكوت واشنطن على الغارات الوحشية على الأسواق والمستشفيات وحصار المدن وتجويعها سببه الموافقة الضمنية عليها، وهو ما يدفع ربما لاستنتاج فظيع، وهو أن أميركا تستخدم روسيا وإيران لتحقيق ما تريده في سوريا والعراق وليس فقط تنسق معهما.
واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بقولها إن روسيا وإيران والنظام السوري أيضاً مدركون لهذه الحقيقة ويتصرفون بناء عليها.
ومن جهتها قالت صحيفة «الحياة اللندنية» في إحدى افتتاحياتها لا تطرق باب التاريخ إن لم تصطحب ضحاياك معك، لا البراءة سلاح، ولا النزاهة سلاح، رصيدك ارتكاباتك، غابات الجثث، بحيرات الدم، قوافل الأرامل والأيتام والمنفيين. التاريخ مستودع قساة. وأضافت لقد قال إندروبوف: الوضع الدولي شائك ومعقد والمشكلات كثيرة، للأسف شارفت ولاية باراك أوباما على الانتهاء، استفدنا كثيراً من وجوده وسياسته الانسحابية، وعلى رغم كل ما يجري، أريد أن أطمئنكم إلى أن أوراقنا قوية وتتعزز، لا أريد أن أخفي عليكم أن الرفيق فلاديمير بوتن لا يزال عضواً عاملاً وفاعلاً في الـ(كي.جي.بي). لا أذيع سراً إذا قلت إنه ما زال يرفع تقاريره إليَّ شخصياً».
«يتابع الرفيق بوتن بثبات واقتدار عملية الثأر التي أطلقها رداً على انهيار الاتحاد السوفيتي، وقيام ما سُمي القوة العظمى الوحيدة. يبذل الرفيق سيرجي لافروف جهوداً جبارة تعيد التذكير بمآثر رفيقنا أندريه جروميكو. التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية أنقذ نظامها من السقوط. وضع منظومة (أس 400) الصاروخية على حدود الناتو. يعتقد الرفيق بوتن بأن قتل الإرهابيين والإسلاميين على الملعب السوري أفضل من مطاردتهم داخل الاتحاد الروسي، وعلى أطرافه».
وأضافت لقد شعر حافظ الأسد بالانزعاج من استخدام عبارة الملعب السوري، لكنه فضَّل عدم إثارة الخلافات مع الروس في هذه المرحلة الدقيقة. تدخل معمر القذافي: ولكن أين كنتم حين قامت طائرات حلف شمال الأطلسي بقصم ظهر الوحدات الليبية وتدمير أسلحتكم وهيبتكم؟ أغمضتم عيونكم وتركتم ليبيا تسقط لقمة سائغة في يد الجرذان. وأضافت حصلت مشادة بين ستالين وصدام، اتُّفِق في نهايتها على شطب كلام الرئيس العراقي من محضر الجلسة مع توصية للرفيق بوتن ببذل جهد أكبر لتوضيح سياساته. وتابعت تصوروا أيها الرفاق جابرييل جارسيا ماركيز يجلس بيننا على رغم كل السفاهات التي كالها لمن يسميه الديكتاتور. إذا لم نحترم المعايير سنضطر أيضاً إلى استقبال الفائزين في مهرجان «كان». تخيلوا ليوناردو دي كابريو يجلس إلى جانب بول بوت. ماذا فعل دي كابريو؟ لم يدفع مدينة إلى ركامها. ولم يزرب الدم من قراراته. مَنْ يضمن ألا نُدعى لاحقاً إلى استقبال أم كلثوم؟
وتابعت لقد بدا الانزعاج واضحاً على وجه نلسون مانديلا. قال إن المآسي التي يعيشها العالم اليوم تعود في جزء كبير منها إلى ارتكابات من يُوصفون بالقادة التاريخيين. واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بقولها: «محمد علي كلاي رمز للقوة، للبراعة، للسرعة، للإصرار، لكنه كان أيضاً مصدر أمل لذوي البشرة السمراء. ثم إنه لا يُختصر بقبضتيه. كافَحَ التمييز، ورفَضَ حرب فيتنام ودفع ثمن رفضه الانخراط فيها، قدم عن الإسلام الذي اعتنقه صورة حضارية وإنسانية. حتى ارتعاشه واضطراب حركاته بفعل المرض، كان موحياً ومليئاً بالدروس».
ومن جهته يقول الكاتب السوري معتز حيسو في إحدى مقالاته بصحيفة «السفير اللبنانية» إنه حتى اللحظة، يتم تحميل التوافق السياسي في سوريا على الخيار العسكري. ما شكَّل مدخلاً لدمارها وتحويلها إلى ساحات صراع كانتونية متداخلة، تهيمن على أجزاء كبيرة منها قوى التطرف والإرهاب العدمية. وجميعها ينتهج سياسات وآليات اشتغال تقوم على الثأرية والانتقام والحقد والتمذهب، وتدفع بالسوريين إلى مواقع التطرف. ومن البداهة بمكان أن الغالبية المطلقة من السوريين يعانون من أزمات وتناقضات كارثية. فالموت يتربص بهم، وأبواب الهروب من موت إلى آخر مختلف توصد دونهم. والنزوح الاضطراري دونه مصاعب جمة. وأضاف الكاتب أما أزماتهم اليومية فتزداد تعقيداً وتراكماً. هذا في وقت ما زالت حقوقهم الأساسية منتَهَكة، خصوصاً المشاركة في تقرير مصيرهم. بينما الأطراف جميعها، السياسية والمسلحة، المعتدلة منها والمتطرفة، تدعي تمثيلهم والدفاع عن مصالحهم.
واختتم بقوله إنه إذا كان للتوافق بين واشنطن وحلفائها الخليجيين بالتحديد، دور في التحكم بالمشهد السوري، فإن خلاف الرياض مع واشنطن بخصوص علاقة الأخيرة بإيران، وقضايا تتعلق بالملف السوري، إضافة إلى موافقة مجلس الشيوخ الأميركي على قرار ينص على مقاضاة الرياض في حال ثَبُتَ تورطها في أحداث تفجيرات سبتمبر 2001، سينعكس على مستقبل العلاقة بين الدولتين. ويتقاطع ذلك مع خلاف أنقرة وواشنطن بخصوص الملف الكردي والمنطقة الآمنة وإشكالية علاقة أنقرة ببعض المجموعات المقاتلة ومنها «تنظيم الدولة». وكلاهما إضافة لقضايا خلافية أخرى مع دول وأطراف متعددة، يهدد بتطور الأوضاع الميدانية في سوريا بشكل دراماتيكي.
العرب القطرية