يواجه الصحفيون المستقلون إلى جانب ارتفاع المخاطر الجسدية وضعف الحماية الأمنية المقدمة لهم، تحديات تتمثل في طبيعة العمل نفسه، من انخفاض الدعم المادي بموازاة حجم الضغوط الهائلة، إلى رفض المؤسسات الإعلامية التعامل معهم لعدم تشجيعهم على المخاطرة بحياتهم.
أصبح العمل الصحفي في المناطق الساخنة من العالم يواجه تحديات جديدة طرأت مع تطورات هذه الصراعات، حيث تحول الصحفيون أنفسهم إلى أهداف مباشرة، فما عادت الجماعات المتمردة تستخدم الصحفيين لنقل الأخبار، وأخذت تختطفهم وتجعل اختطافهم هو الخبر.
ويقول الصحفي الكندي ماثيو آيكنز الذي يعمل من كابول، “اتبعت الطريقة التقليدية كصحفي مستقل إذ حملت حقيبة ظهر وتوجهت إلى منطقة حرب. وقمت بمخاطرات متهورة في البداية دون أن تكون لدي أدنى فكرة عن عواقب ما أقوم به، ودون أي روابط مع أشخاص يمكنهم تزويدي بالنصائح”.
وذكر تقرير لجنة حماية الصحفيين للعام 2015 التي تتخذ من نيويورك مقرا لها أن الأمر لم يقتصر على أن آيكنز تمكن من النجاة، ولكن عمله ازدهر وحصل على عدد من الجوائز على تغطيته الصحفية الدولية.
وأشار التقرير الذي كتبه روبرت ماهوني نائب مدير لجنة حماية الصحفيين الذي سبق وأن عمل مراسلا صحفيا في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا إلى أن النقص في الإعداد قد يبعث الذعر في قلوب خبراء الأمن في القطاع الإعلامي، إلا أنه المسار الذي ينتهجه العديد من الصحفيين الجدد الذين يحققون نجاحهم الأول.
وخلال السنوات الأخيرة تقلّص المجال المحايد المتاح للصحفيين كي يعملوا كشهود مستقلين على الوقائع. وقد برزت الأخطار التي يتعرض لها الصحفيون على إثر قطع رأس الصحفيَين الأميركيين جيمس فولي وستيفن سوتلوف في سوريا في عام 2014 على يد الجماعة المعروفة باسم الدولة الإسلامية.
ويقول ريتشارد سامبروك، رئيس المعهد الدولي للأمن الإعلامي والرئيس السابق لقسم الأخبار في محطة ‘بي بي سي’، “تمثل وسائل الإعلام هدفاً مفيداً إذا كنت تسعى إلى الشهرة، إذ أن وسائل الإعلام تثير لغطاً كبيراً عند تعرض العاملين فيها للخطر. وإذا ما تعرض صحفي للأسر أو القتل فإن ذلك يجلب اهتماماً كبيراً”.
لقد شهد سامبروك تطور أنواع الخطر التي تعرض لها الصحفيون خلال السنوات الاثنتي عشرة من عمر المعهد الدولي، إذ تصاعدت من الأمن إلى مخاطر التعرض للصدمة ثم وصلت إلى الاختطاف بغية الحصول على فدية أو بث دعاية سياسية.
واستجابت المؤسسات الإعلامية الكبيرة لهذا المسار المتصاعد للخطر بأن زادت الموارد التي تخصصها لتغطية البيئات المعادية ووفرت تدريبات على الإسعافات الأولية، والمعروفة باسم “التدريب على التعامل مع البيئات المعادية والإسعاف الأولي الطارئ”، بما في ذلك تزويد الموظفين بمعدات أمنية وتوظيف خبراء في الأمن.
إلا أن تغيّر الظروف الاقتصادية لقطاع الإعلام دفع بعدد من المؤسسات الإعلامية الصغيرة أو التي تواجه مصاعب مالية إلى تقليص عدد المراسلين والاعتماد بصفة مطردة على الصحفيين المستقلين.
وكان ينبغي لهذه الزيادة في الطلب أن تزيد الأجر الذي يحصل عليه الصحفيون المستقلون، إلا أن عوامل أخرى مثل انخفاض كلفة الوسائل التكنولوجية والاتصالات أدت إلى زيادة عدد المراسلين الأجانب الشباب الذي يتوجهون للعمل الميداني، مما أبقى على الأجور التي يتلقونها منخفضة نسبياً ما عدا بعض الصحفيين المستقلين المشهورين.ريتشارد سامبروك: إذا ما تعرض صحفي للأسر أو القتل فإن ذلك يجلب اهتماما كبيرا
ومع الكلفة الإضافية اللازمة للأمن الشخصي، مثل معدات الحماية، أصبح الصحفيون عالقين في وضع لا يُحسدون عليه من انخفاض الأجر وارتفاع المخاطر.
ويرى توم ديل، وهو صحفي مستقل يعمل من القاهرة، أن “هناك تفاوتا هائلا بين حجم الجهد اللازم لكتابة مادة صحفية وبين الأجر الذي يحصل عليه الصحفي لقاء هذا العمل”.
وكان ديل قد توجه إلى ليبيا آملاً بأن يتمكن من بيع تغطيته الإخبارية لوسائل الإعلام، وقال إنه غير نادم على ما قام به مشيراً إلى استعداد الصحفيين الشباب للمخاطرة كي يحققوا شهرة في عملهم، “هذا النوع من العمل سيستمر طالما ظل التنافس على العمل في الصحافة على وضعه الحالي.
ويعتبر حال المؤسسات الإعلامية، كحال الصحفيين المستقلين، لا تتبع نهجا واحدا متجانسا بشأن الأمن. فبعض الشبكات الإخبارية ووكالات الأنباء تعامل الصحفيين المستقلين الدوليين والمراسلين المحليين في مناطق النزاعات كما تعامل موظفيها، إذ توفر معدات أمنية ودعماً، أما المؤسسات الإعلامية التي تعاني من ضائقة مالية فعادة ما تدفع للمراسلين لقاء المواد التي تنشرها فقط، وفي الغالب يقوم الصحفيون بإعداد المواد دون تكليفهم مسبقاً بإعدادها.
أما الغاية المنشودة الأكبر للصحفيين المستقلين فهي الحصول على مهمة أو تعاقد مع أحد المؤسسات الإعلامية الكبرى التي تغطي الأخبار الدولية. إذ أن هذه المؤسسات عانت من حالات تعرض فيها صحفيون عاملون معها للقتل والاختطاف، لذا فهي تنزع للتعامل بجدية كبيرة مع الشواغل الأمنية وتُعامل الصحفيين المستقلين العاملين معها كما تعامل الموظفين الدائمين فيها.
وينطبق هذا الأمر على وكالة “رويترز”، حسبما أفاد رئيس التحرير فيها، ستيفن آدلر. وقال إن الوكالة توفر تدريبات ومعدات أمنية وتغطية طبية لجميع المراسلين العاملين في مناطق النزاعات.
وبعد انتشار مقاطع الفيديو التي تُظهر عناصر تنظيم الدولة الإسلامية يقطعون رؤوس صحفيين، أعلنت وكالة الأنباء الفرنسية أنها لن ترسل صحفيين إلى مناطق تخضع لسيطرة التنظيم أو الثوار السوريين.
وبالمثل، لن تقبل وكالة “أسوشيتد برس” استخدام مواد صحفية من صحفيين غير مكلفين بجمع الأخبار من قبلها، وهي تتعامل مع الصحفيين المستقلين كما تتعامل مع الصحفيين الموظفين، حسبما أفاد محرر الشؤون الأجنبية، جون دانيسوسكي.
إلا أن بعض الصحفيين المستقلين ممن يتمتعون بخبرة طويلة يعتقدون بأنهم هم أفضل من يحكم على مدى المخاطر، ويعربون عن استيائهم من فكرة عدم قبول المواد التي لا تكلفهم المؤسسات الإخبارية بإعدادها.
صحيفة العربArray