لحظات حنين ودقائق شوق وألم سيطر على جسدها، هذا حال ريتا بعد أن هاجمها شبح الفراق عن خطيبها الذي أبعدته عنها الخدمة العسكرية حيث التحق بها قبل اندلاع ثورة الكرامة بأشهر، رغم كل الظروف التي عانت منها إلا أن ابتسامة التفاؤل بقيت مرتسمة على وجهها الذي انهكه التعب والسهر.
” كنت أعطي دروسا خصوصية في اللغة العربية إلى جانب دراستي بالجامعة، علي أساند خطيبي في تأسيس حياتنا المستقبلية القادمة، وبعد سنين الانتظار والأمل فقدت الفرحة التي كنت أتخيلها عندما تلقيت نبأ استشهاده رمبا بالرصاص عند محاولته الانشقاق عن الجيش، آخر ما أخبرني به “انتظري فارسك فأنا قادم إليك يا أميرتي”.
تتابع ريتا حديثها والدموع أغرقت عيونها والسهر قد أكل شيئا من جسدها :”كان خطيبي الشاب الأكبر لأمه، وبعد تخرجه من الجامعة التحق بالخدمة الإلزامية في الجيش على أمل أن ينتهي منها بسرعة ويعود إلي بعد سنتين ونتزوج رغم أن تأجيلته لم تنته، لكن من منا يعلم مايخبئ له القدر” .
حال ريتا كحال كثير من الفتيات السوريات اللواتي فقدن أحلامهن وبدأت بالتلاشي مع استمرار الحرب، فقدت خطيبها الذي كان يشكل الفرحة الكبرى لها ولكن الأمل لم ينته بالنسبة لها، فقد لجأت لتعلم مهنة حلاقة الشعر للسيدات في إحدى صالونات التجميل، واتخذت منها صنعة تلهي بها نفسها وتناسيها شيئا من ألمها.
تتضيف ريتا:” تسعة أشهر من الألم كانت كفيلة بأن أجيد بها تعلم تقنيات هذه الصنعة، وبعد مزاولتي لهذه المهنة أحببتها وقررت أن أعمل بها كنت متحمسة كثيرا كوني سأجني المال وأساعد عائلتي بالمصروف الذي ألقي على عاتق أبي، ولو بشيئ بسيط “.
فكرت ريتا بعائلتها قبل نفسها وحبها لأسرتها دفعها للبقاء قوية متماسكة رفضت الزواج من أحد بعد استشهاد خطيبها، ولم يكن لديها الجرأة للذهاب لجامعتها في محافظة حلب من هول القصص التي راودت ذهنها من تلك التي يقوم بها عناصر حواجز النظام المتمركزة على طول الطريق، إلى جانب عدم قدرتها على دفع تكاليف الجامعة المرتفعة من أجار ومصروف طعام ومواصلات وغيرها.
تتابع ريتا حديثها :” واجهت مصاعب كثيرة من نزوح عقب تحرير مدينتي ادلب من قوات النظام وغلاء في الأسعار، ومفارقة روح سكنت الفؤاد، لكنني كلما نظرت إلى عيون أمي وأبي أحسست بالأمان والتفاؤل، لا أنكر أنني كنت كل ليلة أحلم بالطرحة البيضاء وبخطيبي هادي ماسكا بيدي والفرحة تغمرعيون الناظرين”.
أنهت ريتا حديثها ومسحت دموعها قائلة :” إنني متأكدة أن غدا أجمل ويحمل بطياته الكثير من التفاؤل والأمل ليس لي فقط بل للسوريين أجمع”.
كانت ريتا مثالا لكل فتاة أرغمتها الحياة على تناسي الكثير من الفرح الذي نامت عليه لسنين وسنين، وارتسمت البسمة ع وجهها واثقة أن ماحدث قضاء الله وقدره لا محالة، هذا حال السوريين من كبار وصغار فقدوا مقومات الحياة وأبسط حقوقهم وحتى الأحلام.
المركز الصحفي السوري ـ رشا مرهف