” دخيلك يا أخي…هديل أمانة برقبتك إذا غرقت”، بتلك الكلمات الخائفة والمرتجفة التي تفوهت بها أم هديل عندما توقف القارب في عرض مياه بحر إيجه وهم في طريقهم إلى أوربا.
فجأة تعطل المحرك وتوقف القارب بمن فيه عند الساعة الثالثة فجراً، خيم الصمت في المكان، حبست الأنفاس في الصدور، اكفهرت الوجوه خوفاً من الغرق، بدأ الموت يقترب من الجميع مع كل موجة تعلو بالقارب.
وفيما ما زال الصمت يسود المكان؛ علا صوت أم الطفلة هديل وهي ترمي بطفلتها ذات التسعة أشهر في حضن وائل( أحد ركاب القارب) قائلة له بصوت غلب عليه كما نقول بالعامية (غبرة الموت) “دخيلك يا أخي: هديل أمانة برقبتك..”
يقول وائل: تلقفت الطفلة من حيث لا أدري من رماها اتجاهي، وإذ بسيدة تجلس قبالتي راجية مني الحفاظ عليها “.
لقد نجت هديل بحياتها بعد أن أنقذها خفر السواحل اليونانية هي ومن معها، ولكن من نجا من مياه البحر لم ينجو من برد الجزر اليونانية، شاءت الأقدار وكتب لهديل حياة جديدة، حيث حطت رحالها أخيراً على إحدى الجزر اليونانية؛ لتكمل رحلتها إلى أوربا.
تكررت حادثة هديل مع الطفل ايلان، ولكن كانت مأساوية للغاية، لم تكن هنالك محاولات أو فرصة للنجاة …
” يابي لا تموت يابي”، كانت أخر الكلمات التي تفوه بها الطفل السوري ” ايلان”.
هزت حادثة غرق الطفل ايلان ابن الثلاثة سنوات ضمائر الشعوب، ندد بها العرب والغرب، سارع المتأثرون بتلك الحادثة إلى أقبية الاجتماعات؛ بحثا عن حلول، الاعتصامات عمت الشوارع التي رفعت فيها صور الطفل ايلان قبل وبعد غرقه.
تناقلت وسائل الإعلام وصفحات التواصل الإعلامي نبا غرق الطفل كلً من زاويته الخاصة، فقد و نشر موقع ( رات ارابيك) تعليقا لأحد النشطاء يقول فيه على حسابه الخاص “صغيري.. وجه هامتك للبحر.. ووجه نعل حذائك لنا.. فالبحر بأمواجه ووحوشه كانوا أكثر حناناً عليك منا”، ووضع آخر صورة إيلان وكتب بجوارها: بحر الموت المتوسط.
وكتب ثالث باسم الطفل إيلان كردي :” آسف على إيقاظ إنسانيتكم بصورتي على الشاطئ. عودوا للنوم، أعدكم لن أغرق ثانية”.
حسبنا أن حادثة ايلان كانت الأخيرة بعد التنديد والشجب والاعتصامات والبيانات والقرارات، ولكن المأساة تكررت فيما بعد مع رضيع لم يتعدى الشهرين من العمر، الذي نجا من الغرق، حطت به الرحال على إحدى الجزر اليوانية؛ لتوافيه المنية من شدة البرد.
ففي ( 22 سبتمبر ) من العام الجاري أعلنت مصادر في الشرطة اليونانية أن رضيعاً لعائلة مهاجرين توفي بعيد وصوله إلى جزيرة اغاثونيتيسي اليونانية.
كذلك سينا البالغة من العمر 4 سنوات ضحية أخرى، فقد ذكرت وسائل إعلام تركية أن صيادين أتراك عثروا على جثة “سينا” البالغة من العمر 4 سنوات، وفقا لما أفادت به العربية نت.
غرق الطفلة سينا جاء بالتزامن مع احتفال العالم اجمع بيوم الطفل العالمي، والذي يصادف في 20 من نوفمبر كل عام، ففي الوقت الذي يحتفل كافة أطفال العالم بهذا اليوم، قامت الجهات التركية المعنية بانتشال جثة الطفلة سينا الملقاة على الشواطئ التركية.
ولكن يبقى السؤال هل يجب أن يتخلى الطفل السوري عن حق الحياة، في الوقت الذي تقدم الورود للأطفال احتفالاً بعيدهم، توضع أكاليل الورود على قبور أطفال سوريا؟، فمن نجا من براميل وقذائف النظام السوي لم ينجو من شبح الغرق.
المركز الصحفي السوري – ريم احمد