يحين موعد استيقاظهم كل صباح ما إن تطرق شمس الصيف الحارة باب خيامهم، وتطل عليهم بحرارتها المرتفعة الحارقة، وهنا تبدأ معاناتهم وحياتهم اليومية بروتينها المعتاد، وأي حياة يعيشونها في ظل خيام لا تكاد تستر خلفها حاجتهم وفقرهم والعيوب التي أورثتهم إياها الحرب.
تخرج “أم عمر” من الخيمة وهي تدمدم بصوت خافت كي لا يسمعها زوجها ويغضب:” لإيمتا بدنا نضل على هالحالة، والله تعبت من هالعيشة، رح نقضي حياتنا بهالخيمة يارب تفرجا علينا”.
يسمعها “عمر” فيركض إليها ليواسيها ويخفف عنها :” ماما ليش زعلانة، مو انتي قلتيلي نحن ثوابنا كبير عند رب العالمين، لأنو عم نصوم ونحن تحت الشمس، مو متل الي قاعد تحت المكيف، أنا مبسوط لأن ربنا رح ايكافئنا”، تبتسم وتمسح على جبينه لترى الأمل يشرق من عينيه البريئتين.
تعيش عائلة عمر في مخيم عشوائي بريف إدلب قرب الحدود التركية، بأوضاع مأساوية لا يمكن لأي شخص أن يحتملها، وإن ألقيت نظرة عامة على وضع المخيم تجد خيامه المصنوعة من النايلون المقوى شبه مهترئة أو مرقعة من عوامل الطقس سواء في الشتاء القارس أو في الصيف الحار، ورغم أن رمضان هو شهر الرحمة إلا أنه حل ضيفا ثقيلا على نازحي المخيمات لتتفاقم همومهم وترتفع موجة الغلاء في الأسعار مترافقة مع موجة الحر التي تجتاح البلاد.
“غسان المحمد” يعمل في المخيم ويبيع بعضا من المواد التموينية والخضار في دكان صغير يقول :” الأسعار في رمضان لهذا العام ازدادت الضعف عما كانت عليه رمضان الماضي، فكيلو السكر وصل للـ1000 ليرة في حين كان ب250 ليرة سابقا، والخبز المادة الأساسية في لقمة العيش وصل سعر الربطة للـ250 ليرة فيها 6 أرغفة، أفتح دكاني من الصباح وحتى الإفطار قد لا يأتي سوى بعض الزبائن، فحال النازحين هنا جدا سيئة وما من جهة تقدم الدعم ولو بنسبة بسيطة”، ويضيف متحسرا :” لم نعد نرى في المخيم سوى الإعلاميين يصورون الفقر والوضع التعيس ويجرون بعض المقابلات للاستماع لشكاوي وهموم النازحين، ثم يرحلون”.
يبدأ عمر يومه بالمرور على أصدقائه؛ ليمضوا وقتهم باللعب ويتراشقوا بالمياه خلسة ليطفئوا حر يومهم، ولكيلا يراهم ذويهم ويوبخونهم بسبب صعوبة تأمين المياه وتعبئة الخزانات، يحاولون أن يبثوا الأمل والحياة في قلوبهم الصغيرة بما يتوفر لديهم من إمكانيات متواضعة، فقد حرمتهم الحرب سقف بيتهم، ألعابهم، أكلاتهم المفضلة، والأهم من ذلك طفولتهم التي ضاعت بين الخيام.
تسأل أم عمر زوجها وهي تعلم الإجابة مسبقا إلا أنها اعتادت سؤاله عل معجزة تحصل وتتغير الإجابة ” شو بدنا نطبخ عالفطور؟”، فيجيبها والعرق يتصبب منه من شدة الحر ” كل يوم نفس السؤال طبخي مجدرة أو معكرونة”، وكأن اليأس قد أحاط به ولم يعد يهمه الطعام فهمومه فاقت ذلك، فيشرد ويفكر كالعادة “إلى متى ؟”.
بينما يبث إعلام النظام صورا وبرامج ترفيهية من الساحل السوري كيف يمضي موالوه وقتهم في رمضان بالسباحة والاستمتاع بالطبيعة في البحر والمسابح الخاصة، يقبع آلاف النازحين داخل خيام لا تصلح لأي شيء خاصة السكن، وكأن الشقاء كتب عليكم، ليمضوا بقية حياتهم فيها، وكم يفرح أولئك الأطفال عندما يجري أحد مقابلة معهم، ظنا منهم حين يسألهم عن أمنياتهم ستكون مجابة في القريب العاجل، ” عمو نحن بدنا بس بيت نعيش فيه، لأقدر نام وما تفيقني الشمس”.
المركز الصحفي السوري – سماح الخالد