في مقالة سابقة تطرقنا إلى أوجه الشبه بين نتائج استفتائي الاستقلال في شمال العراق وإقليم كتالونيا. مع استمرار التشابه في بعض النواحي إلا أن التطورات الحاصلة في اليومين الماضيين أظهرت فوارق هامة بينهما.
ولعل أهم وجه للشبه بين الحالتين حاليًّا هو أن الأزمة فيهما تنطوي على خطر التفاقم والتسبب باحتكاكات على الصعيد الداخلي.
ولا شك أن التشابه الرئيسي هو من البداية الخطأ المرتكب بإجراء استفتاء الاستقلال. الإقليمان سعيا إلى تنفيذ القرار دون التفاهم مع الحكومتين المركزيتين، والحصول على الدعم الخارجي. أظهرت النتيجة بوضوح أن الاستقلال غير مضمون حتى ولو خرج الاستفتاء بـ “نعم”.
ردود أفعال الحكومتين المركزيتين متطابقة
بعد أن اعتبرت حكومتا بغداد ومدريد الاستفتاءين غير قانونيين، علينا ألا نندهش إزاء اتخاذهما إجراءات شديدة ضد الراغبين بالانفصال عن الدولة.
استعادت الحكومة العراقية من حكومة الإقليم الكردي المناطق المتنازع عليها وفي مقدمتها كركوك، بمساعدة داخلية من الميليشيات الشيعية، وبدعم خارجي على الأخص من تركيا وإيران. كما أنها فرضت عقوبات قاسية على أربيل.
وعلى نفس المنوال، اتخذت الحكومة الإسبانية قرار وضع كتالونيا تحت حكمها المباشر.
ومن هنا بدأت الفوارق تظهر في سير المستجدات بين إقليمي كتالونيا وشمال العراق.
حكومة إقليم كتالونيا أعلنت الاستقلال رسميًّأ بموجب قرار استصدرته من البرلمان. أما حكومة شمال العراق فاكتفت بتجميد نتيجة الاستقلال الصادرة عن الاستفتاء.
مواقف زعيمي الإقليمين مختلفة
أعلن زعيم كتالونيا أنه سيقاوم في مواجهة قرار مدريد بوضع الإقليم تحت حكمها المباشر، وردًّا على ذلك أعلن رئيس الوزراء الإسباني حل حكومة وبرلمان كتالونيا واعتزام الحكومة المركزية اعتقال قادة الإقليم.
في شمال العراق رفع بارزاني راية الاستسلام وقرر التنحي عن منصبه، بمعنى أن حكومة الإقليم، كما هو الحال بالنسبة لحكومة كتالونيا وقادتها، لم تستطع مقاومة الحكومة المركزية.
على الرغم من هذه الفوارق بين الحالتين، ما يزال هناك بعض أوجه التشابه. انقسم المجتمعان في الإقليمين حول الاستقلال. ونتائج الاستفتاءين لا تحظى اليوم بتأييد شريحة واسعة من الشعب ولا من الأحزاب السياسية المعارضة.
هناك تشابه هام آخر بين الحالتين، وهو أن أحلام الاستقلال لدى الكتالونيين والأكراد تكاد تودي بالحكم الذاتي الواسع الذي يتمتعان به.
كتالونيا تدخل تحت حكم وسيطرة مدريد وإن كان ذلك مؤقتًا، أي أن الإقليم يفقد حكمه الذاتي.. وفي العراق سيطرت الحكومة المركزية على المناطق المتنازع عليها، ووقعت أربيل تحت ضغوط بغداد.
لكن ليس من الممكن أن تُحل الأزمة بإنهاء الحكم الذاتي تمامًا وتطبيق نظام مركزي صارم. والأزمة الناشبة في الإقليمين لن تنفرج دون التوصل إلى اتفاق حول حكم ذاتي بمواصفات جديدة.
ترك برس